جورج سوروس: ملياردير كاد أن يُفلس إنجلترا بعد الفوضى التي خلفتها الحرب العالمية الثانية وأملاً في ردع أي خلاف عسكري بين أعظم قوات أوروبا.
قررت عدة دول أوروبية أن تشترك المصير مع باقي أخواتها وأن يخلقوا نظامًا اقتصاديًا متحدًا، أي أن اتحاد مصيرهم الاقتصادي يجعل فرضية الحرب بينهم تتضاءل، طبقت في أواخر السبعينيّات فكرة تمهد لإجماع الأوروبيين على ” اليورو”،
حيث أجمعت العديد من الدول الأوربية على أن تحفظ معدلات سعر صرفها تحت مدى سعري محدد، كان هذا التطبيق مسمى بالـ ERM اختصارًا لـ Exchange Rate Mechanism مما يترجم في النظير العربي لـ ” آلية سعر الصرف “.
والنظام معني بخفض المفارقة بمعدلات الصرف وزيادة الاستقرار النقدي في المنطقة، محاولة تثبيت السعر من جهة البنك المركزي تتطلب تدخلًا مباشرًا في السوق، الشراء في حال تم بيع العملة بكثرة، والبيع في الحال المعاكس.
دور بريطانيا:
رفض البريطانيون الانضمام للاتفاقية، رأت ثاتشر أن عيوب النظام تطغى على محاسنة وعارضت قرار الانضمام في فترتها الانتخابية، وفي أواخر فترات ثاتشر وبعد ضعف موقفها السياسي، وخسارة مؤيديها
لمقاعد الأغلبية في البرلمان، أجبرت ثاتشر من قبل البرلمان على أن تقبل الانضمام للـ ERM تحت امتعاضها الشديد. ثاتشر استقالت من منصبها بعد شهر واحد فقط من الانضمام للاتفاقية، ليحل محلها جو نماجور، أحد أبرز الشخصيات التي دعمت انضمام بريطانيا، الاقتصاد البريطاني لم يكن في حال مثالي، التضخم كان في ارتفاع، البطالة في ارتفاع، كما سجلت بريطانيا انكماشًا في الناتج المحلي.
كل الوقائع تلك سببت ضعفًا شديدًا في موقف الباوند البريطاني، الذي استمرفي الهبوط للحد الأدنى المحدد من قبل
الـ ERM. رفع “ماجور” الفوائد، عوضًا عن هذا اضطرت بريطانيا أن تشتري الباوند عن طريق صرف احتياطاتها النقدية للعملات الأجنبية كالدولار والين.
جورج سوروس: تحت هذه الظروف، علم سوروس بأن مسار الباوند كان هابطًا . بدأ سوروس بمراكز ضد الباوند في صيف ١٩٩٢. اقترض سوروس أموالًا طائلة بالباوند البريطاني، طامعًا لبناء مركز ضخم، كان سوروس يقترض من أي بنك يسمح له بالاقتراض، في صباح الأربعاء، السادس عشر من سبتمبر صعق بنك إنجلترا بحجم بيوع فاقت بقيمتها عشرة مليارات دولار من الباوند البريطاني، محاولًا إخماد الحريق اشترى البنك المركزي ٢٧ مليار باوند ورفع نسب الفوائد لنسب عالية وصلت ل ١٥٪ لكن حملات البيع كانت مستمرة مما فاق طاقة البنك المركزي وفي مساء نفس اليوم أعلن محافظ البنك المركزي، نورمان لامونت، عن انسحاب بريطانيا من اتفاقية الـ ERM. انتصر سوروس بالمعركة وبمليار دولار كصافي أرباح.
مستقبل بريطانيا :
كانت قرصة سوروس باهظة الثمن، لكنها أتت بفوائدها حيث عقب انسحاب بريطانيا من نظام الـ ERM تمتعت بحرية أكبر في تحديد نسب فوائدها وحجم إنفاقها الكلي، مما جعل الاقتصاد البريطاني ينمو مجددًا بوتيرة متسارعة، وانخفضت نسب البطالة، وارتفعت نسب نمو الناتج المحلي.
سوق بريطانيا كانت جاذبة للمستثمرين الأجانب حيث إن انخفاض الباوند بنسبة كبيرة يعني أن الفرص هنالك أصبحت أرخص بشكل أكبر مما ساهم في زيادة معدل الاستثمارات الأجنبية،
في الختام، انتصار سوروس لم يقابله خسارة لبريطانيا، بل على النقيض أحداث الأربعاء المشؤوم كانت إيجابية للبريطانيين على المدى الطويل، حيث تجنبوا إحداث تراكم الديون على دول اليورو في التسعينيّات، وتمتعوا بنمو عالي في كافة الأصعدة .
التعليقات
اترك تعليقاً