بسبب فيروس كورونا الشعائر الدينية حول العالم معلّقة حتى إشعار آخر !!
من كان يصدق أن تراتيل القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك (الذي نترقبه بشغف) لن تبلغ الآفاق كما ينتظر المشتاق ؟!
فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة يفتك بالعالم ويحيله إلى رماد إلا أن تتدخل مشيئة الله القاهر فوق عبادة والذي لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها ، يا لقدرة الله سبحانه وتعالى ويا لضعف البشر على مر التاريخ أمام هذه الأوبئة التي عاثت في الناس هلاكاً ، وكورونا ليس المذنب الوحيد من بين الأوبئة التي فتكت بالعالم ، فالتاريخ يعيد نفسه مع أخوات كورونا من الأوبئة ، ومن الصين أيضاً وعبر إيطاليا أيضاً يتذكر التاريخ أخطر الأوبئة التي فتكت بالبشرية على الإطلاق وهو الطاعون الدملي المسمى بـ (الموت الأسود) الذي تسبب في وفاة 200 مليون شخص حول العالم ، وقد نشأ في الصين ومنها انتقل لإيطاليا وأوروبا ثم بقية دول العالم ، وكان ذلك بين عامي1347 و 1351 ، وفي الصين أيضاً في مقاطعة يونان ظهر الوباء الثالث (نوع متطور من الطاعون) عام 1855، وأودى بحياة 12 مليون شخص حول العالم ، وفي الصين أيضاً ظهرت الأنفلونزا الآسيوية التي فتكت بحياة مليون شخص في العام 1956 ، يا القدر الصين السيئ مع هذه الأوبئة .
وبالنظر إلى تلك الأوبئة فهي ليست حكراً على الصين فقط ، وإنما ذكرنا ذلك من قبيل المفارقات التاريخية ليس إلا ولأن فيروس كورونا (كوفيد١٩) انطلق من الصين أيضاً ، والأوبئة غزت العالم من مناطق مختلفة ، وقد نشرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية (مؤخراً) تقريراً عن أشد الأوبئة فتكاً في العالم ، وذكرت الطاعون الأنطوني الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية بين عامي 165و180م وخلف خمسة ملايين متوفى في مختلف أنحاء العالم ، كما لقي أكثر من ثلاثين شخص حتفهم جراء طاعون اسمه جاستينيان الذي قدم من الإمبراطورية البيزنطية عامي 541 و542 ، وحصد مرض الجدري أرواح 56 مليون حول العالم ، وكذلك مرض الكوليرا فتك بمليون شخص حول العالم ، والأنفلونزا الأسبانية ذهب ضحيتها خمسين مليون شخص في عام واحد (ربع سكان العالم) ، ومن أكثر الأمراض فتكاً في التاريخ حتى الآن مرض (الإيدز) والذي تسبب في موت 35 مليون شخص حول العالم منذ ظهوره عام 1980م ، وظهرت في العصر الحديث أيضاً أنفلونزا الخنازير في أمريكا والمكسيك وانتقلت للعالم مخلفة وراءها 200 ألف شخص قضوا بالمرض ، فيما قتل (إيبولا) أكثر 11 ألف شخص حول العالم وفي أفريقيا بين عامي 2014 و 2016م ، ولا ننسى أيضاً فيروس (سارس) الذي أودى بحياة 774 ألف شخص ، في حين تسبب (ميرس) في مقتل 828 شخصاً منذ 2012م ، وهاهو فيروس كورونا (كوفيد ١٩ ) يصل إلى 100 دولة حول العالم ، ويفتك بـ8000 آلاف شخص حول العالم حتى الآن ، فيما يبقى 200 ألف شخص تحت رحمة الله منتظرين مصيرهم بعد إصابتهم بهذا الداء .
ويظل الإنسان ضعيفاً أمام قدرة الله جل وعلا ، ومهما بلغ به العلم والغرور والاعتزاز بمنجزاته تعجزه فيروسات لا ترى بالعين المجردة ، ولله في خلقه شؤون فسبحانه وتعالى يقول ” وما نرسل بالآيات إلا تخويفا” ، لعل الإنسان ينصاع إلى قوانين الأخلاق الفاضلة ، وينبذ التحلل الأخلاقي بأنواعه ، ويرتقي عن منزلة الحيوانات ، فالرسول (ﷺ) يقول في الحديث الشريف ” … لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا…” ، فمن المحنة تولد المنحة كما يقال ، ومن رحم المعاناة والآلام تولد الحقيقة والفضيلة ، وكورونا الذي وحد العالم في مجابهته والتصدي له ، نأمل أن يوحد العالم في العودة إلى الفضيلة ونبذ الرذيلة على اختلاف أشكالها ومستوياتها وأن يستفيد العالم من دروس الحاضر وعبر الماضي ، فهل يرتدع بنو البشر ؟!