مساء الاثنين الماضي (25 رمضان) لم يكن مساءً اعتيادياً ، كانت ليلة فرح أو ليلة حزن (لا أدري) ، ولكنها بكل تأكيد حفلة (تويترية) توترية ألقت بلونها الأزرق على ذاك المساء .

بدأت الحكاية حينما أعلن حساب لشخص اسمه (منصور) في موقع التواصل الاجتماعي الشهير تويتر عن مسابقة لأفضل صورة من تصوير المشاركين في (تويتر) ، وخصص جائزة مقدارها (500) ريال للصورة التي تنال مرات إعجاب (لايكات) أكثر ، وبعد ساعات تفاجأ (منصور) أن مسابقته أصبحت تنافساً عالمياً بين حساب نسائي لمرزوقة ، وحساب يهتم بالرياضة اسمه أبو قحط ، وتحولت المسابقة تدريجياً إلى نافس كلاسيكي بين فئة الرجال والنساء أو لنقل بين الشباب والفتيات ، وبدأ كل فريق يستنفر حزبه ، فدخل في حزب الرجال مشاهير الفن كمحمد هنيدي ، ومشاهير الكره مثل النجم الاسباني سيسك فابريغاس وعدد كبير من حسابات أندية أوروبا وحساب الفيفا التي دخلت على الخط ، ودخل بعض المثقفين وركبوا الموجه هم أيضاً .

وعلى الطرف الآخر صوّت في حزب مرزوقة بعض الشهيرات مثل المطربات اللبنانيات (هيفاء وهبي وأليسا ونادين نجيم) والمطربة الإماراتية بلقيس ، وتحولت المسابقة إلى حديث تويتر الأول في العالم ، وانهالت العروض بأنواعها في الأيام التالية للمسابقة لمرزوقة التي حصدت في ليلة واحدة فقط حوالي 1.3 مليون إعجاب و450 ألف متابع ، وبين ولأبو قحط الذي جمع هو الآخر في ذات الليلة 800 ألف إعجاب و250 ألف متابع ، بينما نسي الكل (منصور) صاحب المسابقة ، الذي ظل يتفرج على كعكات الفرح والشهرة تُوزع هنا وهناك .

والحقيقة أن تلك الليلة كانت ليلة غريبة بكل المقاييس ، وصراحةً لم أتابعها في حينها ولكن سمعت وقرأت عنها في اليوم التالي ، لذلك سأكون محايداً في وجهة نظري عند الحديث عنها وعن عن تداعياتها ، ولكنها بلا شك ليلة تستحق التأمل ، فالبعض يراها من إفرازات الأدب الساخر الذي ينشأ عادةً في الأزمات والظروف الصعبة ، ومن المسلم به أن الأدبيات في هذا العصر الرقمي غادرت الكتب والمجلات والصحف الورقية لتحط رحالها في وسائل التواصل الاجتماعي ، وربما ألقى الحجر الاجتماعي وعزلة الناس في بيوتهم جراء أزمة فيروس كورونا بظلاله على مشاعر ونفسيات الشباب والفتيات ، فلجؤوا إلى السخرية والفكاهة ، وخلق أجواء مرحة كمتنفس لهم في هذا الفضاء الذي لا تحده الحدود كما هو واقعهم الاجتماعي الحالي الذي أغلق الأبواب عليهم ، والبعض صفق إعجاباً لقدرة هؤلاء الشباب والفتيات على القفز على الأحداث والتأثير في الآخرين وفي الرأي العام الشعبوي بدرجة مذهلة ، وتيّقن أن هؤلاء الشباب بمقدورهم فعل المستحيل إن أرادوا ، وكان تكاتفهم وانسجامهم في ساعات قليلة مثار إعجاب ودهشة الجميع .

كما كانت روح الدعابة والسخرية والكوميديا حاضرة بقوة خلف تعليقاتهم وتعاطيهم مع مجريات تلك الليلة التي صنعت البهجة في نفوس متابعيهم وكشفت القناع عن مواهب مدفونة تنتظر من يصقلها ويرعاها ويقدمها للعالم ، وهناك من تعجب ساخراً قائلاً كل هذا من أجل 500 ريال في إشارة (خبيثة) للوضع الاقتصادي ، وعلى الطرف الآخر رأى البعض أن ما حدث يكشف حجم ظهور الطرح الشعبي السطحي على حساب النخبوي المثقف ، بينما تألم كثيرون لهذه الحفلة التويترية في ليالي هذا الشهر الفضيل الذي كان يودع لياليه العشر الأخيرة ، خصوصاً في ظل ما يجتاح العالم من وباء يتطلب من الجميع القنوت واللجوء إلى الله لكشف الغمة ، واستاء البعض من مشاركة بعض المحسوبين على الفكر والثقافة وتسويقهم لما حدث بدعوى الفكاهة والمرح ، مستنكرين تواجدهم في هذا المكان الذي لا يليق بهم كصنّاع محتوى ثقافي يرتقي بذائقة المثقفين والتنويريين ، ونظروا لما حدث على أنه يعكس الفكر الحقيقي للشعوب العربية التي تعيش في واقع سيئ يروج لكل تفاهة ، وتعجب البعض من كميات الإعجاب للصور المعروضة حيث أنها صور عادية وليست احترافية لا شكلاً ولا مضموناً ، ولا ترتقي إلى الصور التي تستحق كل هذا الإعجاب من الناحية الفنية ، فصورة أبو قحط لنار مشتعلة على جانبها دلة عربية وإبريق، وصورة مرزوقة لقهوة مثلجة ذات خلفية شعبية ، ولكن الأمر تجاوز الصورة إلى ما وراءها .

وعلى أية حال أياً يكن رأينا عن ما حدث في تلك الليلة ، فقد تبين للجميع بلا شك أن الشباب والشابات السعوديات قادرون على خلق الإبداع وروح التنافس والتأثير في المحيط العربي والعالمي ، ولكنهم بكل تأكيد يحتاجون إلى استغلال هذه المقدرة في الترويج لما يخدم المجتمع ويتوقون إلى محاضن تتلقف إبداعاتهم وفكرهم المغرِّد خارج السرب ، وفق ما يخدم مصالحهم الشخصية والوطنية ، وقد استبشرنا خيراً (بما سمعنا من أخبار) أن هذين الحسابين (مرزوقة وأبو قحط) قد ساهما بشكل كبير في تفريج كربة السجناء ، واستغلال هذه الشهرة الفجائية في دعم الجمعيات الخيرية وبعض الأعمال التطوعية ، وهذا ــ إن صح ــ فبلاشك يعكس تطور ورقي فكر الشباب السعودي عموماً .

والحقيقة أن كل أمر من الأمور في هذه الحياة له جانبان أحدهما مشرق والآخر مظلم ، وأنت وما ترى في النهاية ، وإن تباينت ردود الفعل عن ما حدث في ليلة مرزوق وأبو قحط ، فالأمر يبدو غريباً ويستحق التأمل والدراسة وتوجيهه إلى ما فيه الصالح العام . وسواء كنا مؤيدين أو معارضين لما حدث ، تظل تلك الليلة من ليالي ألف ليلة وليلة ، وتظل ليلة تستحق التأمل فعلاً . ما رأيكم أنتم ؟