ربُ ضارةِ نافعة ففيروس كورونا كشف لنا عن أشياء وقدم لنا دروس عظيمة، حفز العقل على التفكير وحُسن التدبير فله جزيل الشُكر مُقدماً والعِتاب مؤخراً فقد تسبب في سجن البشرية قهراً وقطع أواصر القرابة والصداقة بلا رحمةِ أو رأفة وهذه سيئته الوحيدة التي آراها وماعدا ذلك فحسنات وإن خالفني سُكان المعمورة بأكملها، البقاء في المنزل لم يكن قراراً فردياً بل كان قراراً حكومياً فالبقاء في المنزل إجراء إحترازي لمنع انتشار ذلك الوباء القاتل وهذه خطوة بسيطة من خطوات المواجهة والصمود، هناك من يُقال عنهم البيتوتيين الذين لا يخرجون إلا فيما ندر وهؤلاء في اعتقادي لم يتأثروا بالحجر المنزلي فهم معتادون على البقاء بالمنزل وسعداء بذلك ولهم طريقتهم في قضاء أوقاتهم، وفي المقابل هناك من لم يعتد على البقاء في المنزل لفتراتِ طويلة لكن اليوم ومع الحجر المنزلي يعيش بين أربع جدران لا يكاد يرى الشمس أو يسمع صوت العصافير فالحياة اختلفت عليه ومن أعظم الاختلافات تقييد الحركة وطريقة قضاء اليوم لكن ذلك التقييد يعدُ فرصة لتعديل السلوك وقضاء وقتِ طويل مع الأسرة التي تعرضت في السابق للإهمال من قبل البعض.

تصميم المنازل في المدن الكبرى لم يأخذ نصيبه من فنون الهندسة فالمنازل عبارةُ عن جدران اسمنتية وما بداخلها عبارة عن مجموعة من المساحات التي لا تكاد تكفي أسرة صغيرة فمساحة الغرف ضيقة ومصادر الضوء والتهوية تكاد تكون منعدمة والغاية من تصميم المنازل والشقق تجاري لا سكني ، ٦٠٪من إجمالي المواطنين مستأجرين وبما أن المنازل في تصميمها مخصص للنوم واستقبال الضيوف فقط فلدينا عددُ كبير من المصابين بنقص فيتامين دال وما يصاحبه من أمراض ناهيك عن حالات عُنف أُسري وملل واضطراب في مواعيد النوم والأكل الخ، لو تتبعنا بطريقةِ علميةِ منهجية أسباب بعض الأمراض التي تصيب المواطنين لوجدناها بسبب المسكن أو المأكل وهذه حقيقة تُثبتها الدراسات لو كان لدينا دراساتِ علمية في ذلك الشأن، للعادات والتقاليد ونمطية التفكير والتقليد دور في تحول منازلنا لما يشبه السجون أو القبور واقصد بالمنازل هنا منازل المدن التي لو كانت في غير بلادنا لما سكنها أحد ، تصميم المباني ثقافة تُبنى على ثقافة أهل البلد وجميعنا شاهد بعض الممارسات التي مارسها الإيطاليين من على شُرفات منازلهم فلو كانت تلك الشُرفات عندنا هل ستكون متنفساً جميلاً أم أنها ستكون مغطاةُ بالشبكوك والاخشاب لكي لا يطلع أحدُ على عورات الآخرين كما علمتنا الصحوة ذلك ؟

أظن أن على وزارة البلدية ووزارة الإسكان وهيئات تطوير المدن والمكاتب الهندسية وهيئة المهندسين والباحثين في قضايا الطب وعلم الإجتماع إعادة التفكير والنظر في واقع الحياة اليومية للسعوديين والتأمل قليلاً في طريقة تصميم المباني السكنية الحالية والمستقبلية فالمسكن من واقع الحياة وهو صورة الحياة الواضحة، المسكن السليم سيكون بداخله أسرة سليمة ولكي تكون جميع الأسر سليمة فالبداية تكون من مسكنها الذي تقضي به جل وقتها ومع كورونا تقضي به كل يومها بلا خروج إلا للضرورةِ القصوى فلنبدأ من هُنا ونغير طريقتنا في المسكن ليس من أجلنا فحسب بل من أجل الجيل الحالي و الأجيال القادمة التي من حقها أن تعيش على طريقتها التي ترضاها وليس على طريقة من لا يعرف من الحياة إلا اسمها فقط .