دخل ثلاثة مطعماً فاخراً ، الأول أعجبه ديكور المطعم والنقوش والألوان ، والثاني لفت سمعه أصوات الملاعق والسكاكين وهمس زبائن المطعم ، وشده صوت الموسيقى الهادئة والنافورة الهادرة ، الثالث ارتاح جداً للطريقة التي قابلهم بها مدير المطعم ، حيث رحب بهم مبتسماً ، وأسعَدَتهُ كلمات الترحيب الدافئة التي استقبلهم بها ، وشعر بحميمية لدفء المشاعر في هذا المكان المريح .

إذا كنت من النوع الأول فنمط شخصيتك بصري ، وإذا كنت من النوع الثاني فأنت سمعي أما إذا كنت من النوع الثالث فأنت من النمط الحسي .

من المهم أن يعرف الإنسان نمط شخصيته وشخصية من حوله ومن هم في دائرة تعامله واهتمامه سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية . وذلك من أجل التواصل الفعال معهم ، ومعرفة نقاط قوتهم وضعفهم ، للتكيف معهم ، وإنزال الناس منازلهم . وتذكّر دائماً أن الإنسان كائن عاطفي بطبعه أكثر من كونه كائن منطقي .

يُروي أن أبا حنيفة كان جالساً مع تلاميذه يتحدث إليهم في درس عن الصيام، و كان لألم في ساقيه قد جلس فارداً رجليه للأَمَام عندما دخل عليهم رجلاً ذا مهابة ، و هنا قام أبو حنيفة بسحب رجليه و ثنيهما رغم ما به من ألم و ذلك تأدباً في حضرة الرجل فلما أنهي أبو حنيفة الدرس قام هذا الرجل و توجه بالسؤال إلي أبي حنيفة قائلاً: يا إمام من أي وقت لأي وقت يكون الصيام؟ فقال الإمام: من طلوع الفجر إلي مغيب الشمس. فقال الرجل: يا إمام فإن لم تغب الشمس فماذا عسانا نفعل؟ وهنا قال أبو حنيفة قولته المشهورة: الآن آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه .

هناك الكثير من المدارس التي درست أنماط الشخصية ، وكل مدرسة تنظر من زاوية اهتمامها ؛ فأهل الإدارة يقسمها إلى النمط المتفرد النمط التحليلي ، النمط التعبيري ، النمط الودي . وبعض العلماء قسمها وفق أنماط التفكيرA) موضوعي / Bتنفيذي /D إبداعي / C مشاعري ) ، وهناك من قسمها وفق الثقافات ، (تقسيم بوصلة الشخصية) شمالي جنوبي شرقي غربي ، وهناك من نظر إلى فصائل الدم a b o ، وهناك من قسمها وفق الأشكال الهندسية وهي أحدث الدراسات في أنماط الشخصية النمط المثلث والمربع والدائرة والمتعرج وصفات كل شكل . وهناك التقسيم حسب علم البرمجة اللغوية العصبية وهو الشخصية البصرية السمعية الحسية .

وكل نمط له صفاته ومفرداته التي تغلب عليه ؛ فالبصريون يكثرون من استخدام عبارات تعكس نمطهم الغالب عليهم مثل (وجهة نظري ، انظر، ألا ترى ، أسلط الضوء …) ، والسمعيون يرددون عبارات مثل (اسمع ، انتبه لما أقول ، أتكلم …) ، والحسيُّون غالباً يرددون (أشعر ، أحس ، انصدمت ، ارتحت …) . وحتى نفهم ونستوعب كل نمط تَخيّل شخص تعرفه تنطبق عليه الصفات التي سنذكرها عن كل نمط ، فأصحاب النمط البصري مثلاً يتحدثون بسرعة وبصوت عالٍ وحركات جسدهم نشطة وكثيرة ويستخدم الإيماءات بكثرة ، وبالكاد يلتقط أنفاسه إذا تحدث لسرعته ، ومن صفاته النظر لأعلى في حالة التفكير أو التخيُّل ، وإذا حبيت (تنرفز) هذا النمط ضع كأساً من الماء أو الشاي بجانبه ، لا يرتاح لأنه يظن أنه سيسكبه فرط حركته ، وهذا النمط قادر على اتخاذا القرارات وعلى التخطيط الاستراتيجي لأن الرؤية واضحة أمامه ، ولكنه يتهور أحياناً وينزع إلى السيطرة على الآخرين لاعتقاده بأنه يعرف النتائج والمخرجات . وهذا النمط يغلب على سكان المنطقة الجنوبية من المملكة ، فكلامهم سريع وحركتهم كذلك ، ولعل المناظر الخلابة والصور الجميلة لمناطقهم شكلت هذا النمط بشكل لا واعي عند سكان تلك المنطقة الغالية من بلادنا التي تشتهر بالكرم واللباقة ومكارم الأخلاق.

أما النمط السمعي فهم أهدأ قليلاً وصوتهم متزن ، وهم منطقيون في الغالب ويجيدون فن الاستماع للآخرين ، ويهتم بإدارة الوقت والتخطيط ، وأفكاره متسلسلة و إذا قطعت حبل أفكاره يتوقف عن التفكير والعمل ، لذلك فهم يواجهون مشكلة أثناء الاختبارات والمقابلات الشخصية التي تعتمد على تنوع الأسئلة والحوار ، والنمط السمعي يميلون في الغالب إلى التفكير المنطقي غير المحسوس ، وسكان المناطق الصحراوية ووسط المملكة غالبهم من هذا النوع لاعتمادهم على السمع في تلك الأماكن التي تغيب فيها الصور الملفتة للنظر فلا ماءٌ ولا شجرُ، والنمط الثالث هو الحسي والبعض يقسمه لنوعين (نمط التذوق ونمط الشم) ، والحسيّون يميلون إلى الهدوء والسكينة ، ولديهم قدرة على التنفيذ العملي الملموس أكثر من التنظير، وغالباً ما يكررون نفس الأخطاء لأنهم عاطفيون بطبعهم تحركهم مشاعرهم ، وهم بحاجة دائمة إلى كلمات التقدير والحب ، ويغلب هذا النمط على أهل المدينة المنورة ومكة المكرمة ، ربما لوجود الأماكن المقدسة وإحساسهم المستمر بالروحانية وصفاء النفس .

ويبقى السؤال هل من الممكن أن يكون في الشخص الواحد أكثر من نمط ؟

طبعاً ممكن ولكن يطغى نمط على آخر ، والسؤال الآخر لو اجتمع الثلاثة في مهمة عمل فمن يرأس الجميع ؟

سيبرز البصري في التصور العام لمشروع العمل ولكن السمعي سيخطط فعلياً بشكل مرتبط ، وحينما يتفاعل الحسي مع الفكرة ويعجب بها سيفاجأ الجميع أنه أنهى العمل قبلهم . لذلك يرى علماء هذه النظرية أن السمعي هو أقرب لإدارة الفريق لهدوئه وقدرته على التخطيط ، رغم تفوق البصري في القدرة على اتخاذ القرار وإدارة الأزمات .

ويبقى السؤال الأهم : كيف أعرف نمط شخصيتي ؟

عن طريق اختبارات قصيرة محكمة يمكن ذلك ، وأيضاً عن طريق ملاحظة سلوك وكلمات الشخص تستطيع أن تحدد نمطه وبالتالي تتخير الطريقة المثلى للتعامل معه وكيفية التأثير فيه وفق نمط شخصيته ، فالحكمة ضالة المؤمن ، والمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، كما يقول رسولنا (ﷺ ) .