الفرح يرتبط باللذة فإذا تلذذ الإنسان بأي شيء في الحياة ارتاح وشعر بسعادة تفرحه قال القرطبي رحمه الله تعالى : «والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. وقد ذم الله الفرح في مواضع، كقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وكقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ولكنه مطلق.

فإذا قيد الفرح لم يكن ذما، لقوله- تعالى- فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وكقوله- سبحانه- .. فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا … » ؛ والفرح مختلف ومتنوع بين الناس فالطفل فرحه لا يشابه فرح الكبير ، والمرأة قد تفرح بشيء لا يفرح به الرجل وهكذا؛

أمّا معنى الفرح لدي في الصغر كان في حدود الفرح الطفولي فلم تكن معاني الفرح الشرعي حاضرة في حياتي لأنني كنت أقرأ الآية التي ذكر الله فيها الفرح أو أسمعها من الإمام عندما يتلوها في الصلاة ولكني لا أعرف معناها لأنهم كانوا يحفظونا في المدارس فقط دون الوقوف عند المعنى ،

وإذا كان هناك تفسير للآية في المدارس فهو بلغة لا تراعي خصائص نمو التلاميذ فلذلك أحفظ التفسير وأقذفه على ورقة الاختبار دون وعي وإدراك وفهم ثم يتبخر هذا الحفظ في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يكن ..اقتصرنا في الصغر على الحفظ فقط ؛ مع أن الدراسات التربوية أثبتت أن التعليم والتربيّة في الصغر لها دور كبير في تشكيل المواطن الناجح وخير دليل هو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون العشر آيات حتى يعملوا بمافيها من العلم ومنهم من كان صغيرا ؛ ولكم أن تتصوروا كيف يكون حال أطفالنا عند الكبر إذا علمناهم منذ الصغر تلاوة وحفظا وفهما وعملا وعقيدة قول الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ” ؛ بإذن الله تعالى لن يتكاثر المنحلين أخلاقيا وسلوكيا في الوطن ، ولن يظهر لدينا خوارج يكفرون بالمعصية ويخرجون على ولي الأمر لأن طاعة الله والرسول وولي الأمر عقيدة في قلوبهم … هذه العقيدة تخرّج لنا من المدارس شخصيات مستقبليّة وسطيّة منتجة وبناءة تبني الوطن وتحقق الرؤى .

أذكر وأنا صغير في حي الحرة الشرقية بالمدينة المنورة كان الوالد عندما يبشرنا بأن نذهب جميعًا إلى المسجد النبوي لنصلي فيه كنت أطير فرحًا ليس من أجل الصلاة في المسجد وإنما لأن هناك محل ايسكريم بجوار المسجد النبوي طعمه لذيذ كان يوضع في كأس معدني وفوق الآيسكريم فستق لذته لا تقاوم ؛ وهذا النوع من الفرح مقبول لدى الأطفال لأنهم غير مكلفين بالعبادة فالقلم كما ذكر في الحديث مرفوع عن ثلاثة منهم الصغير حتى يكبر لكن الأمر الذي لا يمكن أن يقبل هو أن يفرح المسلم الكبير البالغ المكلف بمشاهدة برنامج كوميدي أو بمسلسلة أشد من فرحه بالصلاة في المسجد وصلاة التراويح وقيام الليل وهذا المسلم يجب عليه أن يراجع قلبه..من يطير فرحًا عندما يسمع باحتفالات رأس السنة ويطير لها بالطيارة أينما كانت ويصرف الآلاف من أجلها ولا ينبض قلبه شوقًا وحبا وفرحًا برمضان فليحاسب نفسه قبل أن يحاسب .

كلما تعلق قلب المسلم بالله تعالى وكان الله ورسوله أحب إليه مّما سواهما استقرت التقوى في قلبه وفرح بالعبادة وتلذذ بها وذاق السعادة الحقيقية ذاق طعم حلاوة الإيمان فاطمئن قلبه وارتاح باله ؛وها نحن في شهر رمضان الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بصيامه وقيامه لنتقيه .. نحن الآن في مدرسة التقوى ؛والمتقون هم الذين يفرحون بمواسم الخيرات والطاعات .. يفرحون بمناجاة الله والتضرع والإنابة إليه .. يفرحون بشهر القرآن ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ”

افرحوا بالصيام والقيام ومافي هذا الشهر العظيم من النفحات والحسنات والعطايا والهبات..للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه.