ما أسرع مرور الشهور والأيام بالأمس القريب ودعنا شهر رمضان، واليوم نستقبل الشهر من جديد، فنحن جميعاً نسعد ونفرح بقدومه، ونشتاق لأنواره.

‏رمضان شهر الصوم هلَّ بنوره
وافرحتي بحلوله وظهوره
باركتَ يا ربي لنا أعمارنا
أكرمتنا ببُلوغِهِ وحضُورِهِ
فبه جنان الخلد فُتِّحَ بابها
من حازها يا سعده بسروره

شهر رمضان المبارك ضيف عزيز فرض الله علينا صيامه، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد وتسلسل فيه الشياطين ومردة الجن، وهو سيد الشهور وخيرها وأفضلها، وتجارته رابحة، وهو هدية من الله تعالى لعباده ليزدادوا قرباً إليه، ويكثروا من الأعمال الصالحة.

خَيْرُ الشُّهُوْرِ ورُوضَةُ الأَخيارِ
‏يا مرْحَباً بِهَديَّةِ الغَفَّارِ
‏رمضان أهلاً قَدْ تَطاولَ شَوقُنا
‏لسناكَ يَكْسُو الأرضَ بالأنوارِ

هل علينا شهر الصيام الذي نزل فيه القرآن فرمضان يحب القرآن الكريم والقرآن الكريم يحب رمضان قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). البقرة ١٨٥، فاحمدوا الله جل وعلا أن بلغكم إياه، وأسألوه أن يبارك لكم فيه، قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: “إذا دعوتَ الله أن يبلغك رمضان، فلا تنسَ أن تدعوه أن يبارك لك فيه فليس الشأن في بلوغه، وإنما الشأن ماذا ستعمل فيه).

وصوموا شهركم إيماناً واحتساباً لتغفر ذنوبكم قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). رواه البخاري ومسلم.

فالله عز وجل أعد في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون إكراماً لهم، وينادي منادي في رمضان يا باغي الخير أقبل، ويا باغي أقصر، ولله عتقاء من النار في كل ليلة من لياليه، وفيه تتنزل الرحمات وتغفر الذنوب والسيئات، وتغفر الزلات وتقال العثرات، ويفرح ويبتهج الناس بقدومه، وكل الأحياء والأموات يتمنون صيامه وقيامه قال ابن الجوزي رحمة الله: (تالله لو قيل لأهل القبور تمنوا، لتمنوا يوماً من رمضان) ، أقبل علينا شهر الصيام والقيام، والصلاة والصدقات والزكوات، والبر والإحسان، والخيرات والغفران، وتزكية النفوس، وتنقية الروح، وتطهير القلوب، وتصفيتها من الحقد والحسد والغل والكره، والرياء والسمعة، والعداوة والبغضاء، والضغينة والشحناء، فرمضان شهر المحبة والتسامح، والصفح والعفو؛ فالله تعالى عفو كريم يحب العفو والصفح، فإذا أردتم عفو الله فاعفوا عن عباد الله، وتجاوزوا عنهم، وعاملوا الناس بالعفو عن أخطائهم، والتجاوز عن زلاتهم، واحفظوا جوارحكم عن الحرام ‏قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “‎للصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقُوَى الباطنة، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى”. زاد المعاد لابن القيم ٣٥/٢.

ورمضان شهر لزيادة الإيمان، لا لزيادة الأوزان، فخففوا المأكلوت والأطعمة والأشربة، والملذات، وغذوا أرواحكم بالعبادات والطاعات، فرمضان جاء ليشبع ويغذي أرواحنا لا بطوننا، فاغتنموا تلك النفحات الإيمانية التي تتنزل على الصائمين والقائمين، والركع السجود، فرمضان محطة إيمانية عظيمة وفرصة للتوبة والإقبال على الله عز وجل، والمحافظة على الصلوات، والإكثار من الطاعات وكسب الحسنات، وقراءة القرآن، والبر والإحسان، والبذل والعطاء، والجود والسخاء، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والدعاء والمناجاة، والخشوع والخضوع، والصبر ومجاهدة النفس على الخيرات، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وللصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ‏‎قال الإمام ابن القيم رحمه الله واصفًا الصيام: “فهو لِجام المتقين، وجُنَّة المحارِبين، ورياض الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال”. زاد المعاد لابن القيم ٣٤/٢.

فافرحوا بقدوم شهركم غاية الفرح، وأسعدوا به غاية السعادة، وأحسنوا ضيافته، وأكرموا وفادته، وحققوا التقوى، واجتهدوا وأكثروا من الأعمال الصالحة فيه، وسارعوا إلى مغفرة الله جل وعلا واجعلوا رمضان طريقاً لكم إلى الجنة، فاللهم أعنا على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان، ووفقنا لعمل كل خير فيه، وتقبل منا صالح الأعمال.