الأشهر الحرم هي أربعة أشهر فضلها الله سبحانه وتعالى عن بقية الشهور في السنة وجعل لها فضلا عظيما، كما قال تعالى في سورة التوبة ” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ” (الآية-36).

وفيها تتوقف جميع غزوات ومعارك المسلمين إلا ما كان للدفاع عن النفس والتصدي للعدوان كما قال الله تعالى في سورة البقرة ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ” (الآية-217)، وينعم فيها المشركون بالأمان من القتال.

ماهي الأشهر الحرم الأربعة؟ :-

أولا: شهر محرم: المُحَرَّم هو أول شهر في السنة الهجرية والذي يلي شهر ذي الحجة الذي تتم فيه فريضة الحج وكانوا يلقبونه في الجاهلية “المُؤْتَمِر” وكانوا يطلقون اسم المحرم على شهر رجب.

ثانيا: شهر رجب: هو الشهر السابع من السنة الهجرية ويعظمه المسلمين لحدوث معجزة الإسراء والمعراج فيه، ومعنى كلمة رجب جاءت من الرجوب بمعنى التعظيم، وكان العرب قبل الإسلام يحتفلون بهذا الشهر ويقدمون الذبائح لأصنامهم وتسمى هذه العادة “الترجيب” وتسمى الذبائح “الرجيبة” وقد حرم الإسلام هذه العادة.

ثالثا: شهر ذو القعدة: هو الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية والذي يسبق شهر ذو الحجة الذي تتم فيه فريضة الحج وفيه يستعد المسلمون للسفر وأداء هذه الفريضة العظيمة، وسمي بهذا الاسم لأن العرب كانوا يقعدون فيه عن الأمور التي يفعلونها في بقية شهور السنة.

رابعا: شهر ذو الحجة: هو الشهر الثاني عشر والأخير من السنة الهجرية وفيه يتم أداء فريضة الحج ويحتاج المسلمون فيه للاطمئنان والأمان في السفر والعودة من هذه الفريضة وفيه خير أيام السنة العشر الأوائل منه التي رفع الله شأنها وأعلى مكانها بالقسم في سورة الفجر “وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ” (الآية -١/٢) وأفضلها وهو يوم عرفة.

الحكمة من تحريم الأشهر الحرم :- الأشهر الحرم هي محطة في الإسلام تأتي بين ركنين من أهم أركان الإسلام وهما صيام رمضان وحج البيت، حيث يأتي شهر رجب قبل رمضان الذي يستعد فيه المسلمون لصيام وقيام هذ الشهر الفضيل وهي عبادة تحتاج لشحذ النفوس ومجاهدتها، وتأتي فريضة الحج بين الشهور ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والتي يقوم فيها المسلمون إما بالاستعداد أو أداء او الانتهاء من هذه الفريضة العظيمة التي فيها مشقة كبيرة وتحتاج إلى جهد وطاقة وسفر وعودة، وقد ثبت ذلك في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري عنما قالت ” قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا نَغْزُو ونُجَاهِدُ معكُمْ؟ فَقالَ: لَكُنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ فلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هذا مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ “.

فضل الأشهر الحرم :- عظم الإسلام الأشهر الحرم وجعل لها فضلا عظيما وضاعف فيها أجر الأعمال الصالحة والحسنات وجعلها فرصة ثمينة للمسلم للإكثار من أعمال الخير والطاعات والصدقات والصيام والبعد عن المعاصي والذنوب، وعد فيها الظلم من أعظم الخطايا وزرا عما في سواها من الشهور.

وكان العرب قبل الإسلام يتمسكون فيها بملة سيدنا إبراهيم عليه السلام في تحريم هذه الشهور ويعدونها أيام سلم وأمان وجاء الإسلام بتأكيد ذلك التحريم غير أن العرب قبل الإسلام كانوا يتلاعبون بالأشهر الحرم زيادة ونقصانا أو تقديما وتأخيرا حسب حاجتهم للقتال وهو ما سمي بالنسيء في القرآن الكريم، وفيها كما ذكرنا العشر الأوائل من شهر ذو الحجة خص منها يوم عرفة الذي هو يوم العتق من النار والذي يباهي الله بأهله الملائكة ويغفر لهم لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ” ما من يومٍ أكثرُ من أن يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ، وأنه لَيدنو، ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاءِ ؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم” (رواه مسلم)، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم وهو عيد النحر (يوم النحر) وهو أكبر العيدين وأفضلهما وأعظم الأيام عند الله كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام ” إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ” وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وفيها يوم عاشورا من شهر المحرم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ” صِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ ” رواه مسلم.

قصة النسيء وحرمته في الإسلام :-

النسيء هو شعيرة كانت لدى العرب في الجاهلية وقبل الإسلام كان يقوم بها بنو فقيم من قبيلة كنانة العدنانية من أهل الحرم المكي وتعني تأخير حرمة شهر المحرم إلى شهر صفر لحاجتهم للقتال ويؤدون الحج في شهر وفي سنوات أخرى يؤدونه في شهر آخر، وكانوا يتفاخرون بالنسيء بالكلام والشعر والنثر ، لذلك حرم الإسلام النسيء وأنزل الله تعالى فيه آية التحريم في سورة التوبة ” إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ “(الآية – 37).

وأختم بأن اصطفاء الله لهذه الأشهر الحرم أثر من آثار كمال علم الله عز وجل وتمام حكمته ومن دلالة تعظيمها هو تعظيم ما عظمه الله لقدر ومكانة هذه الأشهر في الشرع وهي من تقوى القلوب كما قال الله تعالى ” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ” (الحج-32)، فإذا كان أهل الجاهلية يعظمون هذه الأشهر فمن الأحرى للمؤمن الموحد المعظم لله ورسوله أن يكون أولى بتعظيمها لا تقليدا بل تعبدا وإتباعا للإسلام وسنة نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام وهي ابتلاء واختبار من الله للمؤمنين للامتثال بأمره عز وجل وعدم ظلم النفس فيها لقوله تعالى ” فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ” (التوبة-36).