بعد الثورة الرقمية التي شهدها العالم في مطلع الستينات إلى يومنا الحالي تراجعت الوظيفة الأمنية لحارس البوابة الإعلامية، والتي كانت بمثابة “صمام أمان المجتمع” كما يراها البعض، بحكم دورها في تصفية مايْبَث ويْنشر عبر وسائل الإعلام التقليدي قبل وصولها إلى الجمهور المتلقي، وذلك وفق سياسة الجهة الإعلامية التي تتحمل مسؤولية التثبت والمعالجة والنشر، حتى وإن لم تكن كذلك تمامًا.

وقد أثر هذا الغياب أمام سطوة الإعلام الجديد في ازدياد فوضى النشر على المنصات الإعلامية المختلفة دون قيود ولا وعي، ومايتبع ذلك من انتهاك سياسة الرسائل الاتصالية الهادفة، وإفراز كثير من المشكلات الأخلاقية التي أخذت في النمو المطرد، مع كثافة نشر المحتوى الإعلامي المشبوه، والأخبار الزائفة، والشائعات المروجة.

في عام 2004 حدثت كارثة تسونامي، وكانت القنوات الإعلامية تغذي شغف المتابعين والمشاهدين بصور ومقاطع وسائل الإعلام الجماهيرية، مما ينشره المواطنون وشهود عيان، وهنا كانت بداية صحافة المواطن، أو مايْعرف بصحافة الشارع، كشكل جديد وممارسات غير مهنية وغير مسؤولة، خلفت توسعًا في النشر والبث والتلقي بلا حسيب ولا رقيب.

وعلى الرغم من الإيجابية التي أتاحتها وسائل التواصل من سرعة البث والنقل والتداول، والوصول إلى المسؤول، ومعالجة كثير من القضايا والأزمات، إلا أنه أفرز في المقابل جوانب سلبية مست الدين والقيم والأخلاق، حتى ظهر على وجه الأرض “النكرة”، وسكن القمم من لفظه القاع، وأصبح الأقزام عمالقة يتصدرون المشهد بمحتوى رخيص، وصور ومقاطع مبتذلة تخل بأدب الشارع والذوق العام، وزاد النار اشتعالاً سياسة تحقيق الربح على شبكات التواصل المختلفة من خلال صناعة المحتوى، ومايحققه من ارتفاع عدد المشاهدات، فتفلتت الألسن من عقالها، وسقطت الأقنعة، وشاهت الوجوه، فظهر التندر على الدين ورموزه وأهله، والهجوم على الوطن وقيادته ومقدراته، والتجرؤ على الحق وإسفاف الجهود، وتمجيد التافهين، وملاحقة أخبارهم وحماقتهم.

ولحماية المجتمع من التصدع والانهيار، وجب تكاتف جهود الأسرة والمدرسة والمجتمع والإعلام الهادف لمواجهة أشد الحروب ضراوة وشراهة وخطرًا على الأجيال، بتنمية الوازع الديني فيهم، وتربيتهم التربية الإعلامية الرقمية لفهم مضمون الرسائل، وفك رموزها وشفراتها ومواجهة التضليل الإعلامي، وامتلاك القدرة على صناعة محتوى منافس يزاحم محتوى أهل الباطل على منصات التواصل، ويؤثر على الرأي العام، ويقضي على متلازمة التعلق بمشاهير الفلس.

وأخيرًا كان ماكان وماسيكون “ليميز الله الخبيث من الطيب”، و “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله مايشاء “.