حتى وقت قريب كانت عمليات التجميل حصرا على عالم الفن والسياسة ورجال المال والأعمال . الوسط الفني لا يرحم أبدا والبقاء فيه دائما للأجمل ذكورا فتى (الشاشة) وإناثا فتاة (الأحلام) .

حيث يعد الجمال العنصر الأساسي في النجاح (رأس المال) ! , وإلا سوف يجد الفنان نفسه على قارعة الطريق (كومبارس) ! .

اما بالنسبة للفنانات فسوف يتم صرف النظر عنهن من قبل المخرجين والمنتجين ورجال المال والأعمال نظرا لانتهاء (الصلاحية) ! , وسوف يتم استبدالهن فورا بالعنصر الشبابي , وقائمة الانتظار طويلة جدا والكل ينتظر عفوا بريد أن ينتهز الفرصة , لا مكان هنا للدموع والعواطف لأن المخرج (عاوز كده) عفوا الجمهور للأسف ! .

ثم يأتي من يقول لك نجمة عفوا نقمة . من العمليات البسيطة التي كانت تجرى في الماضي مثل زراعة الشعر وتركيب الأسنان وشد الوجه , تطورت الأمور وانتقلت من المظهر (الشكل) إلى (المضمون) تحت الحزام (المناطق الحساسة) ! وان كانت عمليات شد (الحزام) غالبا ما يترتب عليها نتائج كارثية .

ولم تعد عمليات التجميل مجرد حاجة تقتضيها ظروف العمل (المهنة) , بل تحولت إلى غاية (هوس) . يلجأ اليها الجميع وبدون استثناء سرا وعلانية ! , الكل يريد إن يبدو جميلا (شباب دائم) يعني (جنتلمان) ! على شاشة السينما والتلفزيون وعلى اغلفة المجلات وصفحات الجرائد وفي مآرب إخرى ؟!! , حتى يبقى متوهجا ومرغوبا به من قبل الجماهير وصناع الأفلام ورجال الأعمال ! .

نتيجة ذلك ذهب العديد من أهل الفن ضحايا لعمليات التجميل فمنهم من فضى نحبه (الموت) ومنهم من ينتظر (السرطان) ، أو حتى عدم القدرة على التحكم بالوجه من كثرة الشد .

وبالتالي فقدان القدرة على اظهار التعابير والانفعالات مثل ” الفرح , الحزن , الابتسامة , الغضب ” (وجه جامد جدا) , أو حتى ظهور مشاكل في النطق (مخارج الحروف) . الفن يعتمد بالأساس على مدى قدرة الفنان أو الفنانة على اظهار المحاسن والمفاتن أولا ثم التعابير والانفعالات (المصطنعة) مثل النائحة المستاجرة ! .

دائما تجد اهل الفن يصابون بالقلق والكآبة والألم والحزن والحسرة كلما تقدموا في السن ! , وتلقائيا يتراجعون إلى الصفوف الخلفية (أدوار ثانوية) .

وكثيرا ما وجدنا من أهل الفن من يتسول على قارعة الطريق بعد أن انحسرت عنه الأضواء وتخلى عنه الجميع ؟! .

لم ينافس أهل الفن في هذا المجال إلا رجال السياسة حيث نجدهم وقد دخلوا على الخط بقوة , كي يبدون أكثر جاذبية وقبولا وشبابا لدى جمهور الناخبين ! , مستوى الدخل والعولمة والانفتاح وهوس تقليد الغرب (المغلوب للغالب) , ومع انخفاض تكلفة عمليات التجميل وتطورها وسهولة اجراء تلك العمليات , تجدها وقد تحولت الى (ثقافة) تتهافت عليها جميع فئات المجتمع (عمال على بطال) ! . خاصة فئة الشباب حيث الهوس بتقليد أهل الفن ونجوم الرياضة والمشاهير .

ولم تعد تدرج من ضمن (ثقافة العيب) أو أنها لا تمت إلى الرجولة بصلة كما كان هو الحال في الماضي ! .

بل وأصبحت تستنزف جيوبهم , وقائمة الانتظار على (عيادات التجميل) طويلة جدا وتحتاج إلى أكثر من جلسة أو موعد ! بدءا من عمليات زراعة الشعر إلى عمليات شفط الدهون , تجميل الجفون , نفخ الشفاه , تجميل الأنف والذقن , وتحديد اللحية وازالة الشعر ما ظهر منه وما بطن , بل واحيانا صبغ الشعر الأسود بالأسود ! .

أخيرا عمليات الوشم عفوا المسخ التي باتت تغطي معظم أجزاء الجسد .

ولكن هل يصلح العطار ما أفسده الدهر (الزمان) ؟! ولسان حال كل من تقدم به العمر يقول (ليت الشباب يعود يوما) , تالله لن يعود أبد ما فات مات , . الأفضل إن يبقى الأنسان كما خلقه الله , شتان بين الخالق (بديع صنعه) وبين المخلوق الزائل . إن قيمة الانسان ليس بالشكل (الجمال) انما بالمضمون ( الانتاج والابداع ) .