تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان عن منزلة مكة المكرمة البلد الأمين، حاضنة البيت العتيق قبلة المسلمين، ومدينة رسول الهدى، مأرز الإيمان ومهاجر خاتم الأنبياء والمرسلين، مبيناً فضلها ومكانتها وشرفها وحرمتها عند الله وفي قلوب المسلمين.

واستهل فضيلته الخطبة بحمد الله عز وجل سبحانه وتعالى والحثّ على تقواه ولزوم طاعته وعباداته، مبيناً أن الله تعالى يختار للفضل محلاً و مكاناً, كما يختار له وقتاً وزماناً, وأهلاً وأعوانا, وقد فضّل في الأرض بعض البقاع, فكانت أشرف البلدان والأصقاع, فجعل مكة مهبط الوحي, وقبلة المسلمين, وأم القرى, والبلد الأمين, والمسجد الحرام, ومنسك الحج, ومهوى أفئدة المؤمنين, فقال تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”.

وأوضح الشيخ البعيجان أن الله شرع الحج إليها, وأمر نبيه إبراهيم عليه السلام بالنداء, فقال تعالى : “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: يا معاشر الحجاج لقد أنفقتم المال, وصرفتم الأوقات, وبذلتم الجهد والطاقات, وخضتم غمار التعب والمشقة, وجئتم إلى أفضل وأشرف مكان, فأروا الله في أنفسكم خيرا, اغتنموا الفرصة لتجديد العهد مع الله, وأخلصوا النية, واجتهدوا في طاعة الله, وأبشروا فالله أرحم الراحمين, وأكرم الأكرمين, ولا يضيع أجر من أحسن عملا, فمن حج, ولم يرفث, ولم يفسق, رجع كيوم ولدته أمه.

وأضاف: هنيئاً لكم معشر الحجاج فقد وقفتم للإقبال والتوجه إلى الله, وقصده وحده لا شريك له, وقد اختاركم الله لتلبية النداء, وإجابة الدعاء, فأخلصوا النية وأحسنوا الأداء.

وتحدث الشيخ البعيجان عن المدينة النبوية مبيناً أنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومأرز الإيمان, وهي حرم ما بين لابتيها من عير إلى ثور, فمن أحدث فيها حدثاً, أو آوى محدثاً, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.

وقال فضيلته: “فالمدينة درع منيع, وحصن رفيع, وهي كالكير تنفي خبثها وينصع طيِّبُبها, و” لا يكيد أهل المدينة أحدٌ, إلا انماع كما ينماع الملح في الماء”, فاقدروا للمكان قدره, واعرفوا حرمته, واستشعروا فضله.

وحث فضيلته معاشر المؤمنين على اغتنام الفرصة في مواسم الخير والطاعات فقال: إنكم في الأشهر الحرم, وفي موسم الحج, وبين أيديكم عشر ذي الحجة, التي أقسم الله بها فقال (والفَجرِ وليَالٍ عَشر), وهي أفضل الأيام, فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم” أفضل أيام الدنيا أيامُ العشرِ, عَشرِ ذي الحجة” ، كما أن الشارع قد نهى عن إزالة الشعر والأظافر بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي, والنهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره, والمنع من إزالة الشعر بحلق, أو تقصير, أو نتف, أو إحراق.

واختتم الشيخ البعيجان الخطبة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبُّ إليهِ العملُ فيهنَّ من هذِه الأيَّامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ).