أهلاً بضيوف الرحمن ، أهلاً بوفد الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم: (الحاج والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم). رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

أهلاً بكم عدد ما هلت الأمطار، أهلاً بكم عدد ما طارت الأطيار، أهلاً بكم بعدد ما في الأرض من أشجار، أهلاً بكم بمقدار فرحتنا بقدومكم.

مرحباً بكم بعدد النجوم الساطعة ، وعدد الورود الفائحة التي تفوح بأزكى العطور، و عدد ما تكتب الأقلام من حروف وعبارات فرحاً بقدومكم.

بكل حب وشوق واحترام نستقبلكم ، ونفرش بالورود والزهور طريقكم ، ونعطر حبر الكلمات بالمسك والعنبر لتليق بمقامكم وننتظر رؤيتكم دوماً مع نسمات الليل وسكونه نتذكركم لتصل همسات قلوبكم إلى قلوبنا المشتاقة لكم فقد زادت فرحاً وسروراً بقدومكم إلى مهبط الوحي ومنبع الرسالة مكة المكرمة والمدينة المنورة ، فأهلاً وسهلاً بكم.

ها هي الورود يا ضيوف الرحمن تنثر شذاها لتستقبلكم بكل حب ومودة تستعد لرؤيتكم وبأحلى عبارات الترحيب ألسنتنا ترحب بكم، ونتمنى أن نراكم ليال عديدة ونفرح برؤيتكم وسماع أخباركم وعلى أرجاء المكان يكون قد انتثر شذى عطركم، و لوجودكم بيننا فأهلاً وسهلاً بكم.

قصة الشوق والحنين إلى البلد الأمين بدأت عندما أمر الله الخليل إبراهيم عليه السلام بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج). قال ابن كثير رحمه الله: “أي ناد في الناس بالحج ، داعياً لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك”.

ناد وعلينا البلاغ ، فقام ووقف ونادى على جبل أبي قبيس وقال: “يا أيها الناس إن ربكم بني بيتا وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربكم والتفت بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة”.

استجاب خليل الله إبراهيم عليه السلام لأمر ربه وهو في صحراء قاحلة ليس فيها أحد ، فبدأت البشرية تشتاق إلى البيت الحرام والكعبة المشرفة قال ابن القيِّم رحمه الله: “علقت القلوب على محبَّة الكعبة البيت الحرام ، حتى استطاب المحبُّون في الوصول إليها هَجْرَ الأوطان والأحباب ، ولذَّ لهم فيها السفرُ الذي هو قِطعةٌ من العذاب ، فركبوا الأخطار، وجابوا المفاوز والقِفار ، واحتملوا في الوصول غاية المشاقّ ، ولو أمكنهم لسعَوا إليها على الجفون والأحداق:
نَعَمْ أَسْعَى إِلْيَكِ عَلَى جُفُونِي ** وَإِنْ بَعُدَتْ لِمَسْرَاكِ الطَّرِيقُ

وسِرُّ هذه المحبَّة هو إضافة الربِّ سبحانه له إلى نفسه بقوله: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [البقرة: 125]”.

إنَّ مكَّةَ أحبُّ البلاد إلى الله تعالى؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ما أطْيَبَك مِن بلد، وأحبَّك إليَّ! ولولا أنَّ قومك أخرجوني ما سكنتُ غيرَك). رواه الترمذي.

قالت عائشة رضي الله عنها “: لولا الهِجرةُ لسكنتُ مكَّة، إني لم أرَ السماء بمكانٍ أقربَ إلى الأرض منها بمكَّة، ولم يطمئن قلبي ببلد قطُّ ما اطمأنَّ بمكة، ولم أرَ القمر بمكان قطُّ أحسنَ منه بمكة”.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “أقِم بمكة، وإن أكلتَ بها “العضاه”؛ يعني: السَّمُر، ومع هذا فإنَّ ابن عباس خَرَج في آخر عمره إلى الطائف، وقال: “إني لي بقايا حسنات أخاف أن تُذهِبها حُرمةُ هذه البِنية”، وقال: “لأنْ أذنبَ خمسين ذنبًا بركبة – وهو موضع قريب من الطائف – أحبُّ إليَّ مِن أن أذنبَ ذنبًا واحدًا بمكَّة، وروي عن عبدالله بن عمر أنَّه كان له فسطاطان، أحدهما في الحِلِّ، والآخر في الحَرَم، فإذا أراد أن يُعاتِب أهلَه عاتَبَهم في الحِلّ، فسئل عن ذلك، فقال: كنَّا نُحدَّث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل: كلاَّ والله، وبلى والله.”

وتبذل طوال العام جهود عظيمة مشكورة وأعمال مبرورة من المملكة العربية السعودية في استقبال وخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام لنيل هذا الشرف العظيم فشكراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- والشكر موصول لجميع الوزارات والقطاعات العاملة في خدمة ضيوف الرحمن الذين يسهرون ليل نهار ويضعون الخطط والبرامج لراحة الحجيج وأبشرهم بأن الحاجّ يغفر له ولمن استغفر له قال عليه الصلاة والسلام: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجّ).