لا يمكن لأي أنسان خلقه الله عز وجل ألا يتجرع من كأس الهزيمة المؤلمة ولكن الأهم من ذلك هو مواجهتها بكل قوة وعدم الاستسلام لها، وهي عامة لا تأتي دون أسباب تقود إليها وتكون دائما من صنع الشخص أو الأشخاص الخاسرين وما قاموا به من أفعال جعلتهم يعيشون في دوامة من الأخطاء المتكررة والمتشابهة باستمرار وإخفاق بما تعنيه الكلمة وخسائر مادية ونفسية وروحية تكون لها أسباب من أهمها الجانبين المعنوي مثل (الإرادة والثقة والشعور بالتفوق والاستعداد التام) والجانب المادي مثل (الدعم وأنواعه والتدريب والقدرة على التحمل وتوفير متطلبات النجاح).

وللتوضيح أكثر لابد من التفريق بين الفشل والهزيمة، حيث أن الفشل هو عدم تحقيق النجاح لكنه يكون خطوة من خطوات كسب الخبرة وطريق يقود للنجاح بفضل الله، بينما الهزيمة تعني القبول بها والاستسلام لها والغرق في بَحْر الأخطاء والعثرات المستمرة والتخلي عن الرغبة في النجاح.

كيفية التعامل مع الهزيمة: – هناك خطوات كثيرة للتعامل مع الهزيمة وأهمها:

* الإيمان بالقضاء والقدر: وهو أن يؤمن الإنسان بما قاله الله تعالى في سورة التوبة {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إلا مَا كَتَبَ الله لَنَا، هُو مَوْلَانا وَعَلَى الله فَلْيَتَوكَّلِ المُؤْمِنُونَ} (الآية-51) والفعل كَتَبَفعل ماضي وقع ومكتوب ومُقدَّر مُنذُ زمن، لذا لابد من الإيمان به والتوكل على الله وهي من صفات المؤمنين.

* الاعتراف بالهزيمة وعدم القبول بها: إن الاعتراف هو بداية الخروج من أجواء الهزيمة وتحويلها إلى نصر بحول الله وإن عدم القبول والإقرار بالهزيمة يعني المواجهة بشجاعة وتحدي ورغبة في الانتصار.

* دراسة وتحليل أسباب الهزيمة: تعتبر من أوائل الخطوات الواجب إجرائها لمعرفة الأسباب وتحليلها وتشخيص الخلل وتحديده ثم العمل العاجل على التغيير ومعالجة تلك الأسباب لضمان عدم تكرارها مستقبلاً.

* الإفاقة السريعة من الهزيمة: تعتبر الإفاقة السريعة من الضرورات المهمة لإدارة الهزيمة وتحويلها لنجاح بإذن الله، لأن التعامل بعشوائية وعدم التنظيم والتخبط يُساهم في استمرار دوامة الأخطاء والعثرات المتتالية.

* الحذر الشديد من الهزيمة: تَوَخِّي الحذر وبشدة من الهزيمة يساهم في عدم تكرارها مرة أخرى والقضاء على أسبابها لأن تكرار الهزيمة شيء مؤلم وله آثار نفسية عميقة على الإنسان وقد يؤدي للإحباط.

* النقد الذاتي بعد الهزيمة: ما يميز المجتمعات المتطورة، هي قدرتها العالية على النقد الذاتي لأنهم يؤمنون بأنه وسيلة مؤثرة وناجحة في معرفة القصور والأخطاء والتركيز عليها وعلاجها بالطريقة الصحيحة التي تناسبها.

* المقاومة وعدم الاستسلام: المقاومة ليس هدفاً وإنما وسيلة للتغلب على الهزيمة وعدم الاستسلام لها ومحاولة الإصلاح والسعي إلى حياة أفضل بالمقاومة وتجاوز الأخطاء والعثرات وتحقيق النجاح المطلوب.

* الاستعانة بالخبراء والمختصين: لا يمنع للإنسان الذي يقع في فخ الهزيمة أن يستعين ببعض الخبراء والمختصين في هذا المجال لتوضيح الأخطاء والأسباب التي أدت لها وطرق العلاج والتغلب عليها.

* الدعاء من أسباب النجاح: عندما شعر سيدنا نوح عليه السلام بعدم نجاح دعوته، ودعا ربه كما قال الله تعالى {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} (القمر-10) ومغلوب تعني أنهم غلبوه بِتَمَرُّدِهم وعِصْيَانهم فنصره الله نصراً كبيراً بالطوفان.

مقاومة المسلمين للهزيمة في غزوة أحد: –

الجدير بالذكر هنا هي المقاومة وعدم الاستسلام التي حدثت في غزوة أحد من نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام والصحابة الكرام لعدم تقبل الهزيمة من كفار قريش رغم ما حدث في تلك الغزوة من خسائر بشرية وأعتقد البعض أن المسلمين هُزِمُوا في تلك الغزوة مع أن الهزيمة في أي معركة عسكرية تتحقق بأحد العناصر الثلاثة وهي: القضاء على الجيش الخصم الاستسلام التام للعدو الفرار من أرض المعركة، وهو مالم يتحقق في غزوة أحد رغم استشهاد سبعون فرداً من الصحابة أي ما يعادل عُشْر الجيش وعدم فِرارَ المسلمين من أرض المعركة وعدم استسلامهم، بل قاوموا الهزيمة ونجحوا في ذلك بروح معنوية مُرتفعة جعلت كفار قريش وعلى رأسهم أبو سفيان عدم مواصلة القتال الذي تَوَعَّد المسلمين بحرب أخرى وأنصرف من المدينة بجيش الكفار، فحرص الرسول على أن لا يقوم الكفار بالهجوم على المدينة فأنتدب سبعين فرداً من الصحابة لجنوب المدينة للتأكد من ذلك وهو ما دَلَّ على رغبة الرسول عليه الصلاة والسلام في القتال والدفاع عن المدينة، ويؤكد لنا أن ما حدث في غزوة أحد لم تكن هزيمة عسكرية بقدر ما كانت دَرساً قاسياً لخطأ الرماة الذين خالفوا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وتركوا مواقعهم الحساسة في المعركة مما كشف جيش المسلمين وتسبب في هذه الخسائر.

وأخيرا وليس آخرا لابد للإنسان أن يعلم أن هزيمة اليوم هي جولة واحدة من عدة جولات وسوف يكسب غداً أو بعده جولات وجولات بحول الله، وأن الهزيمة هي نتيجة تقصير أو أخطاء حصلت في مرحلة معينة وتحتاج إلى معرفة أسبابها وعلاجها وتصحيحها لإكمال مسيرة الحياة التي هي في مجملها نجاحات وإخفاقات وانتصارات وابتلاء وأن دوام الحال هو دائماً من المحال، لذلك تعتبر هذه التجارب من ثقافة كيفية التعامل مع الهزيمة والخسائر والانتكاسات والمُضِيّ قُدما في الحياة بلا توقف أو استسلام وإحباط.

وكم أعجبتني مقولة عمر المختار عندما قال: “يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا “.