من هو لقمان الحكيم؟ .. ذكر ابن إسحاق أنه لقمان بن ياعوراء بن ناحور بن تارح ويُنْسَبْ إلى آزر والد سيدنا إبراهيم عليه السلام وقيل انه ابن أخت أيوب وقيل أيضا أنه ابن خالته، وهو رجل صالح من الذين أنار الله بصيرته وآتاه الحكمة وسُمِّيَتْ سورة من سور القرآن باسمه والتي تحمل وصايا لقمان وحكمته الواضحة في هذه الوصايا والتي أكَّدها الله تعالى في قوله {وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ} (الآية-12)، وفيها أعظم الحكم والمواعظ وقيل أنه عاصر نبيَّ الله داود عليه السلام وتلقى العِلْمَ على يديه وعُرِفَ بلقمان الحكيم.

وسوف نُركِّز في هذا المقال على وصايا لقمان الحكيم العشرةوالتي كانت لابنه وذكرها الله في القرآن الكريم في سورة لقمان ليوضح لنا أصول العملية التربوية وأسرارها تجاه الأبناء لغرس هذه المبادئ الإنسانية في نفوسهم وتنشئتهم النشأة الصالحة التي ترضي الله عزَّ وجَلَّ وتتمثل هذه الوصايا فيما يلي:

الوصية الأولى: التحذير من الشرك بالله :- حيث قال الله فيها {وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ} (الآية-13) وَوَضَّحَ فيها أن الشرك ظلم عظيم للنفس البشرية التي خلقها الله.

الوصية الثانية: الإحسان إلى الوالدين :- أكد الله ذلك في قوله {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (الآية-14) وأنَّ شُكْر الوالدين يأتي في المرتبة الثانية بعد شُكْر الله.

الوصية الثالثة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :- قال تعالى {وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ} (الآية-15)، حتى الوالدين لا طاعة لهما في معصية الخالق ولكنه أكَّد وجوب معاملتهما في الدنيا بالمعروف حتى لو كانا من المشركين.

الوصية الرابعة: مراقبة الله في السر والعلن :- وفيها قال الله {يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (الآية-16) وهو تنبيه لقدرة الله الكبيرة وإحصائه لكل شيء في السماوات أو في الأرض وحذَّره من ظلم الناس ولو كان ذلك بحبة من خردل يأت بها الله.

الوصية الخامسة: إقامة الصلاة :- قال تعالى {يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } (الآية-17)، ليؤكد لقمان لابنه أن الصلاة هي أول ما يُحَاسَبُ عليه العبد يوم القيامة لذلك وجب إقامتها في أوقاتها والمحافظة عليها لأثرها التربوي العميق في النفس.

الوصية السادسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :- حيث قال الله عز وجل {وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ} (الآية-17) وهي من أصول تأسيس مجتمع إنساني متوازن ومن مكارم الأخلاق التي تجاهد الانحراف والفساد في المجتمع

الوصية السابعة: الصبر على مصائب الدهر :- ذكر الله ذلك في قوله {وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (الآية-17) وتعني الصبر على المصائب لأنه زاد المؤمن، وتحمُّل المتاعب والتصدي لأعداء دعوة الخير، ومعنى عزم الأمور أي أعظمها من كل ما أوجب الله على العباد.

الوصية الثامنة: حسن التعامل مع الناس وعدم الكِبَر :- قال الله فيها {وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (الآية-18)، وهي وصية لعدم الكبر أو استحقار الناس وإعراض الخد أو الوجه عنهم (والصَّعَر هو داء يصيب الإبل في أعناقها أو رؤوسها فيجعلها تلوي أعناقها) وأن الله لا يحب المُختال المُعجب بنفسه والمُتفاخر على غيره.

الوصية التاسعة: القصد في المشي :- وقد بينها الله في قوله {وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ} (الآية-19)، أي السير بين الناس بالهدوء ليس بالبطيء المُثبِّط ولا السريع المُفْرِط وهي وصية شاملة للحياة في الاعتدال في كل الأمور الدنيوية وليس للسير فقط.

الوصية العاشرة: غض الصوت وعدم رفعه :- قال تعالى {وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (الآية-19)، ومعنى غض الصوت أي خفضه لأن في ارتفاع الصوت قُبح مُنكر وإزعاج وسوء في الأدب، لذلك كان أقبح أو أشرَّ الأصوات هو صوت الحمير.

والجدير بالذكر أن هذه الوصايا العشر تَضمَّنت مناهج تربوية ولفتات مباركة وتوجيهات كريمة وفوائد عظيمة ونهج سديد في تربية الأبناء وتنشئتهم النشأة الصالحة للطريق الصحيح في الدعوة إلى الله بإتباع العلم النافع والعمل الصالح وتقويم السلوك وهو ما يؤكد أهمية دور الأب في المقام الأول مع الأسرة على تربية وتوجيه الأبناء وتعليمهم القيم والأصول والأخلاق الحسنة وحسن التعامل مع الله أولا ثم مع الناس بالأسلوب التربوي الذي تميزت به هذه الوصايا من ثواب وعقاب وتخويف وترغيب وترهيب على الأفعال المذكورة فيها، وما يترتب عليها من جزاء في الدنيا والآخرة.