رسمت رؤية المملكة العربية السعودية 2030م مستقبلاً تنموياً مزدهراً يظهر فيه تكامل التنمية الاقتصادية والبشرية معاً، فأولت التعليم اهتماماً عالياً باعتباره من أهم ركائز التنمية الأساسية، فأصبح تحسينه وتجويده ضرورة حتمية لما له دور بارز في بناء رأس المال البشري ذو المهارات والقدرات المؤهلة لبناء ونهضة وطننا، وحتى يكون في مصاف الدول المتقدمة عملت على رسم معالمه وحددت نوعية مخرجاته المتوافقة مع المستجدات والتطورات العالمية. والموائمة لاحتياجات سوق العمل المستقبلية.

فقد أوضحت وثيقة برنامج التحول الوطني 2020م في الهدف الاستراتيجي الخامس على ” تعزيز القيم والمهارات الأساسية للطلبة ” ، ويرتبط هذا الهدف بأهداف الرؤية 2030م من خلال ” تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لموائمة احتياجات سوق العمل المستقبلية ” كما ورد في الهدف الاستراتيجي الثالث :” تحسين البيئة التعليمية المحفزة للإبداع والابتكار ” وبذلك أصبح الاهتمام بالتعليم وتحسين جودته البشرية والمادية مطلباً تنموياً يساعد على النهضة والتقدم ، ولكي تُحقق مستهدفات الرؤية علينا تفعيل عملية التقويم الشامل والمستمر للمدارس بدءاً بالمدخلات والعمليات والمخرجات ثم التغذية الراجعة عن طريق تطبيق معايير الجودة والاعتماد المدرسي الذي أصبح اتجاهاً عالمياً من أجل مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين التي تتمثل في رفع نوعية التعليم وتحسين مخرجاته ؛ والارتقاء بمستوى الأداء المدرسي الذي يُعد مؤشراً من مؤشرات تقدم التعليم ، ولتكوين ثروة بشرية قادرة على مواكبة كل جديد .

ويعتبر الاعتماد المدرسي أحد مجالات برنامج التطوير المدرسي الذي يحوي مجموعة من الإجراءات والمعايير التي يتم التحقق من وجودها، وتطبيقها داخل المدارس وتقييمها مما ينتج عن هذا التقييم الاعتراف بالمدرسة داخلياً وخارجياً … ويتم التقييم من قبل لجنة مختصة، وهي هيئة تقويم التعليم والتدريب ممثلة بالمركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي الذي يستند إلى معايير ومؤشرات للوصول إلى الجودة المطلوبة؛ ليتم منح المدرسة سواء الحكومية أو الخاصة الاعتماد المدرسي، والذي يُعد بمثابة الاعتراف وقبول المستوى العلمي لمدرسة ما ، والشهادة لها بأنها استوفت الشروط المطلوبة حتى تكون هذه المدرسة موضع ثقة بها .

والمتأمل في فلسفة الاعتماد المدرسي يجد اهتمامها وتركيزها على المستفيد الأول داخل المدرسة ألا وهو الطالب، وعلى الأداء المتميز للمدرسة ؛ حتى تتمكن من تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. وتتضمن معايير الاعتماد المدرسي على: الرسالة والرؤية، الحوكمة والقيادة، التعليم والتعلم، الطلاب، هيئة التدريس والموظفون، وهدفها الأساسي ضبط جودة المدخلات والعمليات، وضمان جودة المخرجات التعليمية، ومحاولة رفع مستوى كفاءة المدرسة في استخدام مواردها المادية والبشرية، ولكي يتم الاعتراف بالمدرسة واعتمادها لابد من تحقيق الجودة الشاملة داخل مؤسساتها حيث إن الجودة تمهد الطريق للاعتماد، والاعتماد يقيس مدى تحقق الجودة في تلك المؤسسة التربوية.

إن الاعتماد المدرسي له دوره فعال في بناء مهارات الطلاب حيث يعمل على تقديم الاحتياجات التدريبية المناسبة لهم، وتجويد العملية التعليمة المتوافقة مع معايير الاعتماد المدرسي، وإكسابهم المهارات اللازمة لتهيئتهم للجامعة أو سوق العمل، وذلك بربط الطلاب بواقعهم، وتصميم برامج تعليمية على شكل ورش عمل داخل وخارج المدرسة، وتهيئة بيئة تعليمية للتطبيق العملي، والاستفادة ما أمكن من تجارب الدول المتقدمة التي تطبق هذا النوع من التعليم.

وقبل تطبيق الاعتماد المدرسي لابد من توفير متطلبات تحقيقه منها على سبيل المثال: توزيع المعايير والمؤشرات على المدارس حتى يتسنى لهم شرحها لمنسوبيهم ومن ثم العمل على تحقيقها ، العمل على إنشاء وحدات خاصة للاعتماد داخل المدارس ؛لتقوم بدورها الريادي في تحقيق ضمان الجودة وتحسين المخرجات، ووضع نظام فعال ومعايير مناسبة لاختيار الأكفاء من الهيئة الإدارية في المدارس بعيداً عن الوساطة أو المحسوبية ، والتدريب المستمر للعاملين في المدارس على الجودة الشاملة ، والتقويم الذاتي ، والتقويم البديل الذي يعد اتجاهاً جديداً في التقويم التربوي قائم على الأداء الفعلي بحيث يقوم الطالب بمهام أدائية أو أنشطة تقويمية بديلة عن الاختبارات التحصيلية التقليدية تضع الطالب في مواقف حقيقية ، ومشابهة للواقع من أجل قياس أدائه ، ويعتمد على خمسة أساليب ، هي ( التقويم القائم على الأداء , التقويم بملفات الأعمال , والتقويم الذاتي , وتقويم الأقران , وخرائط المفاهيم ) وتدريب العاملين في الميدان التربوي عليها وألا يكون شكلياً بل واقعياً .

ولعل من أهم التوصيات في هذا الموضوع نشر ثقافة الاعتماد المدرسي وتوضيح دوره الفعال في تحسين وتطوير العملية التعليمية ، والأمر الآخر توفير جو من التفاهم والتناغم ، وبناء العلاقات الإنسانية بين منسوبي المدرسة ، وتحفيزهم على تحسين أداء المدرسة باستخدام المعايير المحددة؛ لضمان أن كل طالب يتلقى تعليماً عالي المستوى وفقاً لأهداف التعليم واحتياجاته التعليمية .