لم يعد التعامل مع التكنولوجيا في الآونة الأخيرة خيارًا، بقدر ما أصبح واقعًا فرض نفسه على طرائق واستراتيجيات التعلم في ظل التطور المتلاحق الذي يشهده العالم في هذا المجال؛ فالتعلم الإلكتروني أصبح ضرورة ملحة في وقت بات الذكاء الاصطناعي شريكًا في مختلف جوانب التعليم والتعلم. ولم يعد مقبولًا بقاء الفصول والمعامل في المدارس بشكلها التقليدي، رغم أهمية كلاسيكية التعليم الحميدة، والتي لا تتنافى مطلقًا مع توظيف التكنولوجيا في قاعة الدرس، حين نوازن بينها وبين التكنولوجيا كأدوات للتعليم والتعلم والتواصل. فالحصول على المعرفة مرهون بقدرة المتعلم على التعامل مع المنصات التعليمية المختلفة، والبحث عبر شبكات الإنترنت ومحركات البحث، وأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يبهرنا بتطوره الآني والمتلاحق في كافة مجالات التعلم. وهذا يدرك قيمته من كان شاهدًا على عبور جسور التعليم التقليدي إلى توظيف المنصات والشبكات والذكاء الاصطناعي في التعلم والمعرفة والبحث، فهو من عرف أهمية ذلك مقارنة بالمعاناة سابقًا للحصول على قدر ضئيل من المعرفة.
فالآن المتعلم أصبح قادرًا على الوصول إلى المعرفة في أي وقت وفي أي مكان، وبات متمكنًا من التفاعل والتجاوب بواسطة تلك المنصات التي تتوافق مع رغبته الفطرية في التعامل مع الأجهزة واللوحات الإلكترونية. وهذا ما أشارت إليه المئات من الدراسات والبحوث في مختلف الجامعات والمؤسسات التربوية، والتي جاءت نتائجها مؤكدة لجودة وأهمية التعلم الإلكتروني باعتباره شريكًا للتعلم التقليدي، وهو ما يُطلق عليه مؤخرًا “التعلم المدمج”، والذي أرى أنه مستقبل التعليم الواعد في السنوات القادمة في ظل طفرات الذكاء الاصطناعي والروبوت حول العالم. فمن لم يتطور حتمًا سيختفي.
ومن أهم مميزات التعلم الإلكتروني، من وجهة نظري، قدرته على جعل المتعلم في حالة من التفاعل الدائم، وإمكاناته في توسيع مدى ومدة الانتباه التي تسمح له بالتعلم، إضافة إلى كونه تعلمًا نشطًا يعتمد على المتعلم؛ فهو محور العملية التعليمية طول الوقت. كما أنه يدعم التعلم الذاتي. ولعل دمج التقنيات والتطبيقات الإلكترونية في التعليم أصبح أحد أبرز الاستراتيجيات التدريسية المعاصرة، في ظل توظيف واستخدام الواقع الافتراضي الذي يحفز الطلاب ويدعم مشاركتهم في الفصول الدراسية، شرط قدرة المدرسة على توظيف هذا الاتجاه في التعلم من خلال منصات تقدم محتوى تعليميًا متكاملًا ومرفقات توظف الميديا بصورة تثير انتباه المتعلم وتحفز قدراته العقلية، واختبارات تفاعلية وفق اشتراطات التقويم الجيد، وغرف للنقاش، وتقارير يومية، وتواصل دائم بين شركاء العملية التعليمية، وغيرها من النوافذ التي تضمن الخروج من التقليدية وأسوار الفصول والمعامل داخل المدارس في ظل الاتجاه نحو الحوسبة في مختلف المجتمعات.
ومن الجيد أن مجتمعاتنا العربية شهدت في الآونة الأخيرة دخول العديد من المنصات التعليمية إلى بيئات التعلم، وهذه محاولات جيدة إلى حد ما، فهي تحاول محاكاة المنصات العالمية والرائدة، ولكنها ما زالت تفتقد إلى الكثير من المهنية والخبرات التربوية التي تدعم التوافق بين الحوسبة ونظريات واستراتيجيات التعلم ومتطلبات المناهج التي تحقق تعليمًا مدمجًا يحقق أهداف التعلم الحقيقية، وليس تعليمًا إلكترونيًا مسطحًا يخلو من التعلم ذي معنى والمتوافق مع الرؤى والاستراتيجيات التربوية الحديثة في التعلم. ولكنها في النهاية خطوات على الطريق تعطينا بعض الأمل للوصول إلى منتج تعليمي يضاهي التعلم الحقيقي في صورة افتراضية رقمية، وهذا ما نصبو إليه ونرجوه في مجتمعاتنا، والتي لا تقل في إمكاناتها وقدراتها البشرية عن كافة المجتمعات التي حققت طفرات رائدة في التعلم حول العالم.
التعليقات
اترك تعليقاً