حدثَ في المستشفى : " وش ترجع ؟؟ "
في صالة إنتظار أحد المستشفيات الخاصة ، جلستُ أنتظر موعد الدخول على الطبيب لإجراء كشف روتيني ، وبينما أنا غارق في رسائل الواتس و ( إشاعاته ) ، وتويتر ( وهشتقاته ) ،و كيك ( وسماجاته ) ، أقترب مني شاب في الثلاثينات من العمر تقريباً ، ليسألني بلا مقدمات ولا مؤخرات " وش ترجع ؟ " تظاهرت بعدم فهم السؤال ، وقام مرةً أخرى وأعاد بسؤال مدبب فيه من الغباء والتخلف مايعادل كمية الأخطاء الطبية القاتلة في نفس المستشفى الذي تدور به أحداث هذه الحرب الكلامية ، سائلاً بكل صفاقة و غباء ( يعني وش أصلك ؟ ) ، تفآجأت بتوقيت السؤال الغبي ومكانه أيضاً ولكنني لم أُجبه ، وحاولت أن أُبين له أن هذه الأسئلة ليس مكانها هنا ، وإنما مكانها مجلس يعجُ بكبار السن ممن تجاوزوا الثمانين عاماً ( وشوية ) ، أو في مزاين إبل لإحدى القبائل فيه من الجهل والتخلف مالله به عليم أو بحضور قناة شعرية شعبية غبية تعيش على أستنزاف الأغبياء السُذج ، ولكنه لم يقتنع بكلامي لأن نفس صاحبنا يبدوا طويلاً في مثل هذه المعارك الطاحنة وربما لديه خبرات سابقة في هذا المجال ، مما أجبرني على الإجابة مكرهاً أخاك لا بطلاً ، عندها حدثت اللحظة التعيسة والصدفة اللعينة بإنتماءه لنفس القبيلة التي أنتمي اليها وهذا من ( قرادة حظي ) وحظ القبيلة بأكملها بإنتماء هذا الكائن البشري الذي يُدعى ( إنسان ) اليها ، عندما علم بأنني أنتمي الى نفس القبيلة قام في تلك اللحظة وأصر على السلام بحرارة وشوق فقط لأننا ( عيال عم ولحم ودم ) كما يدعي ! وأستسلمت بكل براءة ، وأخذنا نـتـناقر كالديوك زهاء العشر دقائق ، والحضور في حالة صمت رهيب لايعلمون مالذي حصل لأثنين من ( المجانين ) أو ( المرضى ) لافرق ، في تلك اللحظة لاأحد يسأل عن كمية الأحراج التي تعتريني ولكن مالذي تفعله لو كنت مكاني غير ( الإستسلام ) ولا شي غيرة ، ثم أخذ يسأل عن أسم والدي وجدي وجد جدي رغم أن ( شاربه تو ماخط ) ولكن عندما يتربى الشاب على أساطير وخرافات القرون الماضية يكون هذا الفكر مع الأسف ، بعد أنتهاء معركة السلام بدون حوادث تُذكر - ولله الحمد - جاء الفرج من الممرضة الفلبينية و لم أصدق وهي تنادي " أيسى الهربي " وهي بذلك معلنةً أنتهاء حرب ( داحس والغبراء ) التي أستمرت زهاء الساعة ، وأقول حرب لأن السلام والتعارف لدينا يشبه الحرب لايحمل أية لحظات فرح مهما تظاهرنا بغير ذلك ، أنطلقت بسرعة الى غرفة الطبيب وكأنني في ( مهرجان ماراثوني ) ، وعندما دخلت غرفة الطبيب تنفستُ الصُعداء ، وسألني الطبيب عن الحكاية فأخبرته بالقصة كاملةً ثم قال ( الله بيعينكُن ، مابعرف ليش يحصل هيك بالسعودية ) ! أجبته بأننا نحن أنفسنا لانعلم لماذا يحدث كُل هذا مع الأسف ، أنتهيت من مقابلة الطبيب الذي طمأنني بأن ( كل شي سليم ) ، خرجت فرحاً متهلهلاً وقابلت صاحبنا عند غرفة الطبيب وهو يهمُ بالدخول طالباً رقم هاتفي سألته عن سبب طلبه فأجاب بأن هذه العادات و( سلوم العربان ) ، قلت له بأن الطبيب ينتظره ولكن سوف أضع رقمي هاتفي في صالة الإنتظار ، أتفقنا وذهبَ لمقابلة الطبيب ، أما أنا فأخذت ورقةً وقلماً وكتبت له بيتين تُنسب للزير سالم تذكرتها تلك اللحظة لعلها تُنقذ مايمكن إنقاذه ( كن مع الناس كالميزانِ معتدلاً .. ولا تقولن ذا عمي وذا خالي / العمُ من أنت مغمورٌ بنعمتهِ .. والخالُ من كنت من أضرارهِ خالي ) ووضعتها في مكان جلوسة ، وذهبت ، ولا أعلم ماذا حدثَ بعد ذلك ..
عيسى سعد الحربي





