للحياة نكهةٌ غريبةٌ و لكنها مُحببة, تُشبه في مذاقها الكرز هل تستطيعُ أن تصفَ مذاقَ الكرز ؟
كذلك هي الحياةُ حلو لياليها ممزوجٌ بشيءٍ من مرارة أيامها.
و ما يزيدُ في غرابةِ الحياةِ ليست الحياةُ ذاتَها بل البشرُ الذين يحيونها.
و في البشرِ صنفٌ يحاولون دوماً أن يُفسد على الآخرين متعةَ الحياة بنكهةِ الكرزِ و هؤلاءِ أسميهم القابيليون ؛ نسبةً لقابيلَ ابنِ آدمَ القاتلِ الأول , الذي لخبثُ نفسه و سوءُ طويته قتلَ أخاه لأن الله لم يتقبل قربانه …!!
و لكن قابيلَ أصبحَ من الخاسرين و كان من النادمين .
الصدقَ أقول لكم , إن القلوب حين تُعتمُ فكلُ شموسِ الكونِ لا تنيرُها , و لا ليلَ في القلوبِ أحلكُ من الحسد , و كذلك هي أجسادُ البعض , سوادٌ في قلبٍ آسنِ النيةِ و الطوية .
فالنفوسُ الطيبةُ قد تكره و لكنها تسامحْ , و النفوسُ الخبيثةُ قد تحبُ و لكنها لا تسامحْ .
و حين يعبثُ الحسدُ بالقلوبِ يجعلُ الدمَ الجاري في شرايينِ الجسدِ كالماءِ القذرِ الجاري في شرايينِ المدينة.
و القابيليون هؤلاءِ و بكل أسىً و أسفٍ متطوعون شفعاً لتشويه كل أمرٍ مليح و ذمِ كلِ برٍ صريح .
و متخصصون هم أبداً في قتلِ الأحلام , و بارعون دائماً في وأدِ الآمال , و محترفون بشغفٍ في سرقةِ الحياةِ ممن يزينون الحياة .
القابليون تلمحُهم في كلِ قصصِ الأنبياءِ و أشدَ ما يكونون وضوحاً في قصةِ سيدنا يوسفَ عليه السلام ( ليوسفُ وأخوه أحبُ إلى أبينا منا ) ( أقتلوا يوسفَ ) ( إن يسرقْ فقد سرقَ أخٌ له منْ قبل )
و لكن هل يستطيعُ أحدٌ أن يذكرَ أسماءَ الإخوة العشرة ؟
و القابيليون يُباغتونك في كلِ قصةِ نجاحٍ لمصلحٍ كبير؛ فيظهرون في سيرةِ الإمامِ أحمدَ متلبسين بهيئةِ أحمدَ بنِ أبي دؤاد و بشرٍ المريسي و ثُمامةَ بنِ أشرس .
و لكن ماذا نعرف عن هؤلاء ..؟
القابليون يظهرون دائماً في كل قصة حبٍ مرتدين النوع الأردأ من أقنعة المحبين, فيظهرون في سيرةِ عنترةَ العبسي بصورةِ عمارةَ الزيادي و مفرجِ بنِ همام .
و لكن من يذكرُ هؤلاء ..؟
و القابيليون يتعبونك بحبائلهم و مكائدهم و مكرهم بكل شاعرٍ ؛ فتراهم في مجالسِ سيفِ الدولة والإخشيدِ كافورَ يكيدون لأبي الطيبِ المتنبي فتعرف منهم لؤلؤ الإخشيدي و ابنَ كروسٍ الأعور .
و لكن من سمع بهؤلاء ..؟
و تجدهم عند المرهف حساً و ذوقاً بحتري الأندلسِ ابنِ زيدونَ مختبئين تحت عباءةِ أبي الحزمِ بن جهور و ابنِ عبدوس .
و لكن من أخبر عن هؤلاء ؟
القابيليون يريحوننا دائماً من عناء البحث عنهم , فنحن نشم روائحهم النتنة تفوح من فِعَالِهم الخبيثة , و نحن نبصر في أشد الأماكن ظلمةً من ليالي المحاق أثارَ أقدامهم العارية و هم يسعون بالضرر لنا من وراء ظهورنا في كل خطوة يخطونها .
إنهم يتقربون إلى إبليسَ اللعينِ مع كلِ غروبِ شمسٍ لأنهم اختاروا أن يعيشوا في الجانبِ المظلمِ من الحياةِ ويريدون مثلهم كل شيءٍ أسوداً, فنحن نسمعُ صراخَهم في جنباتِ الليلِ ( إنما نحن مصلحون ).
و لكن أيها القابيليون أنتم تحرقون أنفسكم و لن يكون إلا ما كتبَ الله , و لن تُفسدوا علينا أبداً نكهةَ الحياةِ بمذاقِ الكرز.
و مهما علت بكم رُتب الحياةِ فإن الحياةَ تُعيدُ ترتيبَ نفسِها دائماً بأمرِ ربها الذي يقولُ لنا ( و العاقبة للمتقين ).
التعليقات
ذكرتني يا تميمي بدوي بقول أحدهم العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون
قيل لرجل لماذا تقول ما لا يُفهم
فقال :
ولماذا لا تفهم ما يُقال
و يقول جبران خليل جبران : نصف ما أقوله لا يُفهم و لكني أقوله لتفهم النصف الآخر .
و يقول الأصوليون : من أشكل المشكلات توضيح الواضحات .
و يقول البحتري :
عليَّ نظم القوافي من معادنها
و ما عليَّ إذا لم تفهم البقر .
فيا تميمي حاول أن تكرر لأن التكرار يعلم ……… الشطار .
و خل عنك الجنوب و أهل الجنوب
والله مافهمت شي الإنك. صفر سبعه
اترك تعليقاً