هذا سر صمتي..!!
الساعة السابعة والنصف صباحا ، الطقس جميل وكل الأمور مستقرة ، الأمن مستتب .. النظام المدرسي مستتب .. النظام البيئي مستتب وكل الأنظمة بخير ولله الحمد.. ووسط هذا الاستتباب جاءت تسحب خلفها من الهم ما أثقل خطواتها ، جلستْ بجانبي مستبدلة التحية بزفرة عميقة ، من تلك الزفرات التي تستنطق الصخر وتستنهض إنسانية أقسى القلوب فيسألها : "عسى ما شر؟! "
ورغم ذلك إلا أني لم أحرك ساكناً ولم أسألها!! بل بقيت كجلمود الصخر الذي عجز السيل أن يحطه من علِ.. ولأن زفرتها اخترقتني فقد وصلت لصديقتنا الثالثة والتي سألتها من لحظتها عن ما ألم بها من هم وغم وانخرطت الأولى في السرد تحكي وتشكي وتصب اللعنات على الحفلات التي أنهكت كاهلها وأيقظت مضجعها :
الحفلة الأولى ستقيمها في منزلها احتفالا بموافقة زوجها كي تتقدم بطلب نقل لمنطقة جدة حيث مركز علاج طفلها الذي يعاني من التوحد .. جاءت موافقته بعد استحالة تنقله بين منطقة عمله ومنطقة علاج ابنهما وبعد اتفاق أن تنقسم العائلة (الأب والابنتان هنا ) و(الأم والطفل المريض هناك)
الحفلة الثانية ستقيمها أختها لإكمال عقدها الأول وهي "معلقة" وبالطبع هي لن تدعو الرجل المدعو "زوجها" للحفلة ليس لأنها ناقمة عليه إذ أضاع عمرها وكرامتها وجهد أهلها لا ـ فهذه مسائل منذ عهد قد ضاعت منا بين فكي البيروقراطية واللاإنسانية ولم تعد ذات أهميه ولا تثير الحقد والغضب ـ هي لن تدعوه لأنها تعرف أنه يكره الحضور فكم من مذكرات استدعاء أرسلتها له المحاكم على مدار سنين لكنه لا يحب الداعيين!
الحفلة الثالثة سيقيمها شقيق زوجها الذي تجاوز 45 من عمره لأنه سينتقل هو وأبناءه السبعة من مسكنهم الأول ـ بعدما أثقله الإيجارـ لآخر في حي أقل خدمات وأبعد من مقر عمله "لا يهم" المهم أنه أقل إيجارا .
وحفلة رابعة وخامسة وسادسة والكثير من الحفلات المليئة بالموسيقى الصاخبة والأحداث المثيرة.
كل ذلك وأنا ما زلت صامتة لم أنبس ببنت شفه!! لا تتعجلون بالحكم علي فلست من أهل القلوب المتحجرة ولست أقل إنسانية ممن حولي ولست ممن لا يقيم وزنا للعشرة والأخوة !! أعترف أني تعاطفت نوعا ما مع حفلاتها المأساوية غير أني لم أتفاعل معها وذلك لأن فكري كان مشغول بما هو أهم منها وأهم مما أسهبت عبثا في سرده على مسامعنا !!
كانت تجتر آلامها وكنت أنا غارقة في مستقبل الحبارى!! هل تعلمون أن 1716 بيضة حبارى لم يفقس منها إلا 79 بيضة فقط ؟! .. حتما الآن ستعذرون انشغالي وصمتي.
