الاعداد السابقة للصحيفة
الاربعاء24 ابريل

صحيح …. ولكن

منذ 10 سنة
0
15385

في كل يوم قصة أو حقيقة أو موقف و ربما إشاعة أو أكذوبة تتصعد و تبرز أو نراها من حيث لا ترانا أو تشتعل كنار الهشيم .

ربما استوقفتني و استوقفتكم أو تناغمت معها المشاعر في صعود و هبوط و قد تتعاظم كــ ( Chain reactions ) وهو التفاعل التسلسلي المعروف عند أحفاد ابن حيان فهذا العصر ليس عصر السرعة فقط في ميدان المعلوماتية و المواصلات بل حتى التغيرات النفسية و الاجتماعية و الفكرية و ردود الأفعال فما كان مستقبحاً بالأمس صار اليوم مستحسناً و في أحسن الأحوال مَسْكُوتاً عنه لدرجة غُيِّبنا فيها عن الحق و الصحيح .

كنت أفكر في حديث منفصل لكل ما عُرِض عليَّ أو كنت له من الشاهدين لكنه فاض و حجب الطاقة الاستيعابية للقلب و العقل و بعد طول تأمل أبعدني بعد المسافر فكرت في إجمالها علَّها تسكن سكون المغشي عليه لأتفرغ لها واحداً تلو الآخر أو يكون في الإجمال إبراء للذمة .

لكن من أين أبدأ و كيف ؟

بالنسبة لكيف فلا خير من طريقة العرض و النقد ، لكن من أين هذه حيرتني ففكرت أن أُطلق العنان لها في سباق فما سبق كان له التقديم.

*صحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا قائلا : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما و لكنه بأبي هو و أمي قال في نفس الحديث : ( ومن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مقعدَه من النارِ ) فهل ننقل بلا تثبت و تحقق أو نُعَلِّم بلا عِلم صحيح و نستنتج مالا دليل له كتلك التي أخذت تعظ النساء قائلة : إن المرأة لا تلبس الذهب في الجنة لأنها تمتعت به في الدنيا على عكس من الرجال.

سبحان الله كيف لها قول ذلك بلا علم ؟

و لو سلمنا بكلاهما فذلك يقتضي أنها لن تلبس الحرير أيضا لأنها تمتعت به في الدنيا و قد حرمه الله على الرجال فيها و بقولها هذا أنكرت نعيما من نعيم الجنة ذكره تعالى في كتابه : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) فاطر ٣٣، و هذا النعيم عام لأهل الجنة لا فرق فيه بين رجل و امرأة .

و هذه و من على شاكلتها قذفوا بأنفسهم في دائرة الكذب على الله و رسوله بالنقل بلا تثبت و الوعظ بلا علم .

*صحيح أن للمحتسبين هفوات و شيء من الشدة و ربما تأفف البعض ظناً منهم أنهم مبالغون و للمرأة غير مقدرين و لكن هل في البشر من لا يخطئ ؟

و هل تعرفون يا من تتذمرون إن المحتسب الرسمي سلطته قائمة على القوة و الشدة ؟

هل كان عمر رضي الله عنه جاهلاً أو غير مقدر لحقوق المرأة و هو يحمل دِرته يؤدب بها كل ما وقع عليه من عِوج ؟

و الحقيقة كلما خرجت و رأيت الرجال الذين يمشون بتلك البنطلونات القصيرة التي تظهر منها ركبهم و بعض فخذهم متجاهلين أنها عورة يحرم كشفها تمنيت سوطاً كسوط السمراء بنت نُهَيْك رضي الله عنها التي كانت محتسبة متطوعة على زمن الرسول صلى الله عليه و سلم , قال يحيى بن أبي سليم : ( رأيْتُ سَمْرَاءَ بنتَ نُهَيْكٍ وكانَتْ قد أَدْرَكَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عليْها دِرْعٌ غَلِيظٌ وخِمارٌ غَلِيظٌ ؛ بيدِهِا سَوْطٌ تُؤَدِّبُ الناسَ ، وتَأْمُرُ بالمعروفِ وتَنْهَى عَنِ المنكرِ ) رواه الألباني يرحمه الله بإسناد جيد.

فكيف بعد هذا تنكرون على رجل الهيئة لو أغلظ ؟!

هل نتغافل عما جعلنا خير أمة أخرجت للنا س أم نريد أن نتبع خطوات من قبلنا وأسباب لعنهم : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) ٧٨-٧٩ المائدة ؟

*صحيح أننا مسلمون نؤمن بالله نعرف أركان الإسلام والإيمان نصلي المكتوبات نخرج الزكاة نصوم رمضان على الأصل في المسلم و لكن هل إيماننا بالله واليوم الآخر فعلياً ؟
أم مجرد عبارات نتوارث حفظها جيلاً بعد جيل !!

هل على سبيل المثال امتثلنا للأمر الرباني : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) 59 النساء ؟

أم صُعِّدت الخلافات حتى بلغت التراقي و كان الحَكَمُ الهوى و القُوى !!

هل فكرنا ألف مرة قبل القول و النقل امتثالا للأمر النبوي : ( من كان يؤمن بًالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ؟

أم أُطْلِقَ عنان الألسنة كذباً و زوراً و بهتاناً وغيبة و تُرِك اليقين و نُصِب الشك والظنُ حكما !!

نقرأ سورة الكهف كل جمعة فهل اتبعنا الأوامر التي فيها حماية لأنفسنا من الضلال و الغفلة : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) ٢٨-٢٩ الكهف ؟

أم أصبح لسان حال الكثيرين ( في غمرة ساهون ) !!

*صحيح أن بلادنا في نهضة تعليمية كبيرة و رغم أن التعليم العام بدأ عام ١٣٤٤هـ و التعليم العالي ١٣٦٩ هـ انتقلت بلادنا في هذه الفترة الوجيزة في مقاييس الحضارات من سيادة الأمية للتنافس على مواصلة التعليم العالي الملحوظة خلال الخمس سنوات الأخيرة , و الثروات الكبيرة التي تبذلها حكومتنا منذ ذلك الحين حتى الآن مفخرة تتصدر التاريخ , و جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله للارتقاء ببلادنا إلى صفوف الدول البارزة في ميدان العلم و التقنية لا تخفى على أحد .

على الصعيد الشرعي الحمد لله بلادنا في المقدمة فجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية و الجامعة الإسلامية مصابيح مضيئة لطلبة العلم في الداخل و الخارج .

و لكن على صعيد العلوم و الطب هل حققت جامعاتنا و أكاديميوها الوصول لما يطمح إليه قادتنا ؟

هل لدينا نشراتنا العلمية الخاصة الصادرة من بلاد الحرمين أم يُعاني الباحثون من ضراوة المجلات العلمية التي تطلب مبالغا خيالية للنشر فيها أو التي تتعامل مع أبحاث دول معينة بفوقية و تعالي ؟

و أوجه هذا السؤال لمدراء الجامعات صاحبة الاعتماد الأكاديمي قبل غيرها ، هل وثقتم بأكاديمييكم المتميزين و فتحتم لهم السبل أم قلتم لهم شَرِّقوا أو غَرِّبوا فإن قُبِلِ منكم قَبِلنا ؟

هل نسيتم أننا أمة العلم التي مهدت الطريق للغرب و الشرق للانطلاق نحو هذه النقلة الكبيرة في جميع ميادين العلوم ؟

أم ليس لديكم الجرأة للمنافسة أو القدرة عليها و اكتفيتم بالدفع لهم لمنحكم اعتماداتهم و محاولة رفع مستوى الجامعة لتكون بعد جهدهم الجهيد في أواخر الخمسمائة جامعة ضمن التصنيف الأكاديمي لجامعة شنغهاي المعروف !!

و مع كل الاحترام جهودكم لا تتناسب مع سخاء خادم الحرمين المادي و المعنوي .

لماذا ليس لكم نشرة عالمية يشار لها بالبنان تنفقون ميزانياتكم الخيالية وعوائدكم المادية عليها بدلا من الهدر المالي في المظاهر, أو زراعة الحرم الجامعي بنباتات لا تتناسب مع البيئة الصحراوية مما يتطلب تجديدها دورياً بميزانيات باهظة ، أو المباني التي تبقى عبأ على الميزانية بسبب إنارتها الداخلية التي لا تُطفأ ليل نهار .

وجهوا تلك الميزانيات في الدفع لكبار علماء العالم للنشر عندكم و سيتسابقون للنشر سباقا .

سيجدونها على نقيض نشرات علمية مثل ( NATURE ) التي تطلب ممن يرغب في النشر فيها مئات آلاف الدولارات و الذي لابد أن يكون الناشر فيها تاجراً لا عالماً .

*صحيح أن كورونا و أخواتها من أمراض العصر الحديث التي بُلِينا بها في السنوات الأخيرة و التي لا يستهان بها و بتأثيرها الذي برز بروز أنياب ليث مهاجم تصاعد خطرها و وجب الحذر منها و بذل أسباب الوقاية قبل العلاج , و لكن هل بلغت ذلك المبلغ الذي يدندن حوله الناس بإشاعاتهم حتى طالبوا بإيقاف الدراسة ناهيكم عمَّا نُسِبَ لمنظمة الصحة من مطالبتها لحكومتنا باتخاذ إجراءات معينة مما لا معنى له و لا مصداقية .

و لا أدري هل أتعجب من خيالهم الواسع أم أتحسر على جُرأة المُشِيعْ و حماقة الناشر .

هل تبدوا لهم بلادنا في ثوب ضعف لا تعرف معه كيف تعامل مع هذا النوع من المواقف ؟

هل فكروا في ضرر معاونتهم للمغرضين بدون وعي و أنهم يضرون بلادهم اقتصاديا و سياسيا ؟

ألم يفكروا أن بلادنا محط أنظار الحاقد الحاسد كما هي للمحب الحاني ؟

أم أنهم تناسوا أنها بلاد الحرمين يفد إليها الحجاج و المعتمرين بالملايين و نثرهم الغبار في الأعين عواقبه لا تأتي بخير و قد يصدق عليهم قوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) 118 آل عمران !!

ألا يخافون أن يصدق فيهم قوله تعالى : (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) 60 الأحزاب ؟

أم ظنوا بالله ظن السَوء فهل يخزي الله المؤمنين الذين عبروا الجبال و البحار راغبين لله ولا يؤمنهم مما يخافوا و يحذروا !!

أليس المرض من جند الله يسلطه على من يشاء وهو على حماية عباده لقدير ؟

أليس لدينا سلاح الدعاء الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم : ( لا يَرُدُّ القضاءَ إلَّا الدعاءُ ، و لا يَزيدُ في العُمرِ إلَّا البِرُّ ) رواه الألباني في صحيح الجامع عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ؟

أليس قد وعدنا الله بقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) 33 الأنفال ؟

فلنتحرى و نتيقن و نتوب و نستغفر و ندعو و نبر و لا نخشى إلا الله .

قد كان هذا غَيضٌ من فَيض بثثته بقلب محب حاني أسأل الله أن يغير أحوال المسلمين لأحسن حال يُحِبه و يرضاه.

حقيقة …..

الواقع أسباب مخلقةٌ أمشاجها أضاد و أشباه .

التعليقات

اترك تعليقاً