في واحدة من ممارسات الإستفراد بالسلطة وإستعراض للقدرة في فرض الإرادة قامت قوى التحالف الوطني بطرح مشروع قانون الحشد الشعبي وأصرت على إقراره في جلسة مجلس النواب يوم 26 نوفمبر 2016 رغما عن الإرادة الشعبية لمكونات عراقية أساسية ورفض طيف واسع من قوى عراقية مهمة ومشاركة في العملية السياسية الفاشلة، لكي تثبت للعالم أجمع عمق الأزمة التي تعاني منها العملية السياسية وكيف أن الدولة ومؤسساتها بعيدة عن فهم وتأمين حاجات ومتطلبات الشعب الأساسية الملحة، وهي تدار بشكل إنفرادي وبردود أفعال إنفعالية قاصرة.

بهذه العملية غير المسؤولة أجهض التحالف الوطني مشروعه الذي طرحه للتسوية السياسية والمصالحة قبل أن يرى النور، بإطلاقه رصاصة الرحمة على مبادرته التي لم تبدأ بعد، بإعتماده إسلوب القهر وديكتاتورية الأغلبية البرلمانية في فرض قضية تستلزم التوافق في جميع تفصيلاتها، وفي ظرف دقيق لا يحتمل الخلاف أو تعميق هوة الشك وانعدام الثقة الواسعة بين المكونات العراقية.

إن فرض هذا القانون بأغلبية ضعيفة، وفي ظل غياب 167 نائبا عن الجلسة، وبغياب دواعي الوطنية والحكمة في معالجة الهواجس والشكوك والمخاوف العميقة المرتبطة بهذا القانون المثير للجدل والانقسام، أثبت مرة أخرى زيف وكذبة الشراكة للمكونات والقوى السياسية.

إن إقرار هذا القانون يكرس القوة والنفوذ بيد مكون عراقي واحد، ويمنحه فرصة التغول والطغيان، بل انه جعل الحشد الشعبي قوة رديفة للقوات الامنية العراقية تقوم على أساس طائفي محض، وبما يماثل تماما الحرس الثوري الايراني، في وقت كان الأجدر أن تتجه الدولة لدعم وتطوير القوات المسلحة على أسس مهنية وبعقيدة وطنية بعيدا عن الطائفية والأجندات الخارجية.

لقد غاب عن مروجي قانون الحشد والفرحين به، أنهم هدموا أسس الدولة المدنية الحديثة ويؤسسون لصراع دائم سيكون كل العراقيين على إختلاف مكوناتهم ضحايا له، وهم يشرعنون لعسكرة العراق وتوجيه موارد العراق الشحيحة لتشكيلات لامبرر لها خاصة بعد أن يؤدي الحشد والقوات المسلحة واجبها بعد داعش، وبدلا من أن تتحول القوة القتالية الإستثنائية للتأسيس لمرحلة بناء الوطن والانسان وتحقيق السلم المجتمعي والنهوض بالبلاد بعد مرحلة طويلة من الخراب والتخريب والفرقة والانقسام يجري إقرار هذا القانون ليضيف أعباءا مالية هائلة، مما يؤشر بعد المسافة بين الشعب وممثليه، وبين الحكومة التنفيذية والرؤية الوطنية الشاملة التي تحافظ على وحدة شعب العراق وثروته وتؤسس لنموه وإستقراره.

إن المشروع الوطني العراقي يعتبر تمرير هذا القانون كان خطوة خطيرة وغير محسوبة للوراء على الصعيد الوطني، والمشروع الوطني يأمل أن يتفهم الجميع مخاطر تمرير هذا القانون بهذه الطريقة في فرض الإرادة وبهذا المضمون البعيد عن روح الشراكة الوطنية التي تدعي الحكومة العراقية انها تعتمدها، وستكون الخطوة الواجب إتخاذها لإيقاف أو ابطال هذا المشروع واعادته لمجلس النواب لغرض إعادة مناقشته هي الفرصة الوحيدة الآن لإثبات الحرص على الوحدة الوطنية والتوافق بين القوى السياسية الرافضة للقانون والتي تشاركهم السلطة رغم معارضة جماهيرها.