حين قامت الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر ضد (الأم) بريطانيا, الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, التي تستعمر جزءاً واسعاً من العالم الجديد, أدت بعد نضال كبير إلى استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج البريطاني.
في تلك الحقبة التي عاش فيها الشعب الأمريكي مرحلة مفصلية من تاريخه, كان المستوطنون الجدد يتحدثون لغات مختلفة بإملاء مختلف ونطق مختلف, ما بين متحدث باللغة الإنجليزية أو الألمانية. واحتدم النقاش في ذاك الوقت حول اللغة التي يجب أن تعتمد للمستعمرات الجديدة, في مرحلتها الجديدة بعد الاستقلال, هل يجب أن تكون الإنجليزية أم الألمانية؟
حتى جاء العالم اللغوي الأمريكي والكاتب السياسي الرائد نوح ويبستر, المعروف بلقب (أبو التعليم الأمريكي), فاقترح أن تكون الإنجليزية هي لغة الشعب الأمريكي ولكن ليست الإنجليزية على الطريقة البريطانية بل الإنجليزية على الطريقة الأمريكية, فقد كان يعتقد بأن مهمته الرئيسة: هي إنقاذ اللسان الأمريكي من الحذلقة الصارخة ومن الفساد الذي تسببت به الارستقراطية البريطانية.
لكن هذه الإنجليزية الأمريكية لم توجد بعد وما زالت لغة افتراضية تمر بمرحلة التخليق والتكون, فقد كان نوح ويبستر أحد الأشخاص الذين أدركوا أهمية وجود لغة معيارية للدولة الجديدة الناشئة التي استقلت لتوها من تبعيتها للدولة الأم, لتوحيد الأمة الأمريكية وتمييز لغتها عن لغة الدولة الأم بريطانيا.
فهذه الثلاثة عشر ولاية المستقلة تحتاج ثقافة موحدة ولسان معياري واحد لتحقيق التوازن السياسي, وأفضل طريقة كما يرى ويبستر, لتوحيد الشعوب الأمريكية وخلق حالة من التوازن بينهم هي تأسيس لغة وطنية موحدة مستقلة تتمتع بأكبر قدر من النقاء والاستقلالية.
كانت فكرته جزءاً من نظرة شاملة كانت مهيمنة على بريطانيا ودول أوروبية أخرى, ترى أن فكرة التعدد اللغوي غير مرغوب فيها, لذلك يجب تهيئة اللغة ووضع المعايير لها لتوحيدها للخروج بأفضل صورة لها لكي يتعلمها الجميع.
قام ويبستر بإخراج أول معجم مستقل للغة الإنجليزية الأمريكية, ووضع التعديلات التي ظلت متداولة حتى يومنا هذا في عملية النطق والإملاء والنحو, فصارت علامة فارقة للإنجليزية الأمريكية, ولن نبالغ عندما نقول أن مجهودات ويبستر كانت هي الأساس للغة الإنجليزية الأمريكية اليوم.
ونتيجة لهذه الأعمال اللغوية الخالدة, أصبح للشعب الأمريكي لغته المعيارية الخاصة, التي يفترض منها تحقيق الوحدة والنقاء لإزالة أي تحيزات إقليمية بين سكان الولايات الأمريكية.
ولكون ويبستر معلماً في أحد المدارس, أكد على ضرورة تعليم الطلاب لغة معيارية موحدة, فقام بتأليف كتب مدرسية عديدة تساعد الطلاب على الإملاء والقراءة والنحو بشكل صحيح, فأصبحت مؤلفاته تدرس في كل مدارس الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من المناهج البريطانية التي كان ويبستر يحاربها ويرى ضرورة إزالتها من المدارس الأمريكية.
التعليقات
اترك تعليقاً