استضافت مكتبة الملك عبد العزيز العامة مؤخرا ورشة عمل مغلقة جمعت قرابة 30 مثقفا ومثقفة على مستوى المملكة ومنسوبي جهات حكومية وأهلية ذات علاقة بالشأن الثقافي. وتناولت الندوة في سياق نقاشاتها ما تداوله عديد من المغردين في موقع التواصل الاجتماعي ” تويتر ” والصحف المحلية حول إمكانية إنشاء شارع ثقافي مماثل لشارع المتنبي يحوي الكتب ويضم المكتبات، ثقافة بحيث يكون مقصدا للمهتمين والباحثين والمعنيين بالثقافة، وليكون متنفسا ثقافيا ومعرفيا ومحفزا على القراءة والاطلاع بعيدا عن الإطار الموسمي المؤقت لمعارض الكتاب، بما يحقق تعزيز الوعي بأهمية القراءة واقتناء الكتب ويجعلها جزء من أنشطة الحياة اليومية للناس.
وفي البداية رحب الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالمشاركين في الندوة، مؤكدا أن العاصمة الرياض وكذلك بقية مدن المملكة تستحق أن يكون فيها عشرات من الشوارع الثقافية التي تعبر عن واقع النهضة الثقافية والحضارية التي تعيشها بلادنا، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، لافتا إلى أن بلادنا تعيش زمن التحولات الكبرى، تخطو بثبات في طريقها إلى بلوغ المستقبل الواعد العظيم، منطلقة من الأسس والمرتكزات التي حددتها رؤية المملكة 2030 شاملة كافة القطاعات، ومنها القطاع الثقافي الذي حظي بمبادرات وبرامج رائعة ضمن مسارات الرؤية الطموحة المباركة.
وأضاف بن معمر بأن فكرة إنشاء شارع ثقافي يمثل فرصة كبيرة ومميزة لنقل مشروعنا الثقافي الحضاري من حيز التقليدية إلى فضاء الإبداع، وتكريس ثقافة القراءة والاطلاع في وعي المجتمع بمختلف شرائحه وفئاته العمرية، متمنيا التوفيق للجميع وأن ترى هذه الفكرة النور قريبا.
وأكد بن معمر في ختام كلمته على الدور التاريخي الريادي والمؤثر لمكتبة الملك عبد العزيز العامة، فمنذ أسسها الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – إبان ولايته العهد عام 1408 هـ في دعم الحركة الثقافية والفكرية للمملكة، فكان من إسهاماتها إقامة الندوات والمحاضرات والمشاركة في المناسبات الوطنية والاجتماعية ودعم حركة البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشروتنمية ثقافة الطفل وتبادل الخبرات مع المؤسسات الثقافية.
من جهته، أشار الدكتور عبد الكريم الزيد نائب المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز أن المعرفة تعد ركناً رئيساً من أركان رأس المال المادي والبشري، مؤكداً أن المكتبة تسعى للإسهام الفاعل في الحراك الثقافي في وتنمية مهارات البحث والتفكير والإبداع في المجتمع عبر عديد من البرامج والمبادرات.
بدورهم أبدى جميع الحضور المشاركين في ورشة العمل تأييدهم الكبير لهذه الفكرة، وقد تباينت الآراء حول الموقع الأنسب للشارع الثقافي، فقد رأى البعض ضرورة أن يكون الشارع الثقافي ذا رمزية ثقافية تاريخية كشارع المتنبي في حي الملز بالعاصمة الرياض والذي يمتد تاريخ إنشائه إلى عهد الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله -، فيما ذهب البعض الآخر إلى ضرورة ان يكون الشارع مستقلا بمداخل ومخارج تتيح مساحة أوسع ومرونة أكبر لمرور المرتادين.
وبينما أشار الدكتور سعد الراشد إلى أن تجارة الكتب كانت رائجة في المدن الإسلامية قديماً لإثراء المعرفة، فإن الدكتورة زينب الخضيري أكدت أن الاستثمار مطلب وطني، ووافقها الدكتور عبد الله الحيدري بأن هذا المشروع تسويق للثقافة.
ولفت الدكتور زياد الدريس إلى أن السياحة الثقافية أحد أسس القوة الناعمة، وأن السياحة في القطاع تعكس ثقافة وتراث البلد، بيد أنه حذر من أن تئد الإجراءات البيروقراطية الفكرة، مؤكداً أن ” الفرصة متاحة حالياً لتنفيذها ” . وأكد حسين الفيفي أن من الأهمية صناعة أفكارٍ جديدة لتحقيق بدلاُ من استنساخ فكرة الشارع.
وقال الدكتور خالد الراجحي: ” نصرف الكثير على البناء، ونحتاج أن نبث الروح في الرياض من خلال مكتبات ومراكز ثقافية ” ، لكن الدكتور صالح الحمود يرى أن ” الاستثمار العالي المطلوب لتأهيل هذا الشارع ” يجعل تنفيذها غير مناسب. وحث محمد الفريح إلى مراعاة حالة الطقس عند تبني هذا المشروع، داعياً تنفيذ المشروع في الأسواق التجارية (المولات)، بينما دعت الدكتورة وفاء السبيل إلى إشراك الشباب في الاختيار والرأي بهذا المشروع.
الجدير بالذكر أنه كان لمكتبة الملك عبد العزيز العامة السبق في مفهوم نقل المعرفة والاطلاع في الميادين العامة خارج نطاق القاعات المغلقة، حيث اكتسب هذا المفهوم حيز الأولوية لدى القائمين على المكتبة، باعتباره عاملا رئيسيا ومؤثرا في تعزيز الوعي بأهمية القراءة والاطلاع الحر، فكان من ذلك جملة مشاريع ومبادرات وبرامج نوعية ومنها مشروع المكتبة المتنقلة فيالمتنزهات والأماكن الذي أطلقته المكتبة بالمشاركة مع أمانة منطقة الرياض. وانطلاقا من إدراكها لحجم مسؤوليتها الثقافية والفكرية لم تتوقف مكتبة الملك عبد العزيز عن صياغة كافة الأفكار الرامية إلى تعميق الحس القرائي وتجذيره في الوعي المجتمعي وبلورتها بما يخدم هذا التوجه العظيم المتسق مع أهداف وبرامج رؤية المملكة 2030، حيث حرصت المكتبة على الأخذ بكل الأسباب الكفيلة بإنجاح هذا المسعى ومن ذلك فتحها المجال للتواصل مع شرائح المجتمع والنخب الثقافية بهدف الاستماع لمقترحاتهم وآرائهم الانطباعية باعتبارهم شركاء رئيسيين في أي منجز ثقافي وحضاري يتحقق إلى جانب الجهات المعنية بالشأن الفكري والثقافي.
التعليقات
اترك تعليقاً