تعبّر مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين، إحدى أعرق الجامعات الصينية- بعدما تفضل بافتتاحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، أثناء زيارته التاريخية لجمهورية الصين الشعبية الصديقة مطلع عام 2017م؛ تعبّر عن عمق العلاقات التي تجمع بين المملكة العربية السعودية، وجمهورية الصين الشعبية؛ وتوثيق أواصر التعاون، الحوار والتواصل، وتنمية علاقات البلدين الثنائية في المجالات المتنوعة؛ لتحاكي هذا العصر، قيمةً ومكانةً، طريق الحرير، برمزيته التاريخية؛ كشاهد على عصور مضت من التمازج والتناغم الحضاري والاقتصادي، بأبعاد ذات دلالات حضارية موغلة في العراقة، والمصالح المشتركة بين الشعبين العربي والصيني وصولاً إلى المرحلة الحالية التي ازدهرت فيها هذه العلاقات، ونمت بشكل مذهل، يدعو إلى التفاؤل بمستقبل واعد، تتكامل فيه الشراكة وأواصر التعاون على المستويات كافةً بين الدولتين؛ ما منحها أبعادًا ثقافيًة وحضاريةً استثنائية؛ وعظيم الفائدة والأثر على صعيد الثقافتين: العربية-الصينية؛ لتعريف الشعب الصيني بتاريخ وحضارة الأمة العربية؛ وخدمة الباحثين والعلماء ومساندة تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية.
ولئن حكمت الأطر الحضارية العلاقات بين الدول والشعوب؛ فإن الجانب الحضاري والثقافي؛ سيظل يشكِّل مظلةً واسعة للتواصل، ووسيلة ناجعة لمدّ الجسور وتعميق العلاقات بما يخدم التوجهات المشتركة ونقطة انطلاق إلى آفاق أوسع. وهذا ما استندت إليه رؤية المملكة 2030م؛ وجعلت منه أحد أهم تصوراتها للمرحلة المقبلة، كونها عمق العالم العربي والإسلامي سياسيًا وحضاريًا واقتصاديًا، وتاريخًيا وجغرافيًا.
وتشرف مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على فرعها في جامعة بكين، وفقًا لاتفاقية تنفيذ المشروع؛ وتتضمن مهامها في تشغيل وإدارة الفرع: إنشاء بوابة معرفية لإتاحة مقتنياته عبر شبكة الإنترنت، وتزويده بالكتب وأوعية المعلومات الورقية والإلكترونية التي تسهم في التعريف بالثقافة العربية الإسلامية وتاريخ المملكة العربية السعودية، وإقامة برامج علمية وثقافية متخصصة يشارك فيها الباحثون العرب والمسلمون مع الباحثين الصينيين بما يعزز التواصل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الصينية في مختلف المجالات، إضافة إلى ترجمة الكتب وعيون الثقافة العربية الإسلامية إلى اللغة الصينية ونشرها، ودعم المكتبات الصينية بما تحتاج إليه من الكتب العربية والفهرسة الآلية من خلال الفهرس العربي الموحد والمكتبة الرقمية العربية، والإشراف على بوابة المكتبات العربية الصينية التي بدأت مكتبة الملك عبدالعزيز إنشاءها فعلياً بالتعاون مع المكتبات الوطنية في جمهورية الصين.
وقد انطلقت مطلع هذا العام الجاري 2018م، الأنشطة الثقافية والحضارية لهذه المكتبة؛ لفتح آفاق واسعة من التعاون المتبادل؛ وتوفير مصادر المعرفة للباحثين والدراسية والمهتمين بالثقافة العربية من أبناء الصين؛ لتشكِّل، في الأخير، جسرًا للتواصل الثقافي والعلمي والمعرفي بين الثقافتين العربية والصينية، بما يدعم نمو العلاقات الحضارية بين المملكة والصين، في حفل أقيم برعاية معالي المشرف العام على المكتبة الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، ومعالي مدير جامعة بكين، وتضمنت فعاليات الافتتاح عددًا من برامج التواصل الثقافي والحضاري بين الشباب السعودي والصيني بمشاركة مشروع سلام للتواصل الحضاري وإقامة ندوات علمية ومعارض متخصصة؛ منها عرض خاص عن (رؤية المملكة 2030م) ورؤية الصين:(مبادرة الحزام والطريق) ومعرض التاريخ والحضارة التقني، الذي سلط الأضواء على الحضارة العربية والصينية وقدّم عرضًا تقنيًا لتطور الكتابة العربية والكتابة باللغة الصينية، واحتوى على نماذج من الخطوط العربية فضلاً عن برامج الترجمة؛ والدروات التدريبية؛ وتفعيل البوابة الإلكترونية للمكتبات العربية الصينية؛ كدلالة حضارية مهمة، لا تخطئها العين على طريق بناء السلام والتسامح والتعايش والتفاهم والتواصل الحضاري بين أتباع الثقافات والحضارات كافةً؛ ترسيخًا لما أعلنته المملكة من خطط طموحة، وتضمنتها (رؤية المملكة 2030م بمساراتها المتنوعة لمشاريع محلية وإقليمية وعالمية لترسيخ السلام وتعزيز التعايش ومكافحة التطرف والإرهاب وبناء العلاقات العلمية والثقافية بين المملكة العربية السعودية بشكل خاص والعالم العربي عمومًا وجمهورية الصين الشعبية، وهي العلاقات التي تشهد تطورًا ملحوظًا في جميع المجالات، التي تؤكد متانة هذه العلاقات التاريخية والحضارية بين البلدين الصديقين؛ ليستمر هذا التواصل التاريخي والحضاري والعلمي بين الحضارتين العربية الإسلامية والصينية من ناحية أخرى.. وتظل المكتبة جسرًا التبادل الثقافي والمعرفي بين البلدين، ونموذجًا لجهود المملكة العربية السعودية في تعزيز التواصل الحضاري والمعرفي مع الثقافة الصينية، ونافذة للتعريف بالثقافة العربية الإسلامية للشعب الصيني.
التعليقات
اترك تعليقاً