من وجهة نظري الشخصية أجزم أن الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا (رئيس جمهورية جنوب أفريقيا) يُعدّ من العشرة الأكثر تأثيراً واحتراماً على مستوى العالم خلال هذا القرن.
هذا الرجل فريد من نوعه، وفعل مالم يفعله غيره، أمضى ثلاثين عاماً من عمره في السجون مناضلاً من أجل حرية شعبه، ورافضاً الشيكات المفتوحة التي عُرضت عليه مقابل التخلي عن هدفه وهو تحرير السود في بلاده من هيمنة الأقلية البيضاء التي تديرها الإمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس وغابت عنها شمس الحريات المزعومة
ذكرَ نيلسون مانديلا في مذكراته التي صدرت في كتاب بعنوان( رحلتي الطويلة من أجل الحرية) أنهم في السجن كانوا يعانون الأمرين جراء المعاملة السيئة التي يتعرضون لها، ناهيك عن سوء الخدمات المقدمة لهم كالأثاث والطعام ومستوى النظافة. وذات يوم استبشر السجناءخيراً بزيارة وفد عالمي من الأمم المتحدة لتفقد السجن وأحوال السجناء، وقد لاحظ المسجون ارتباك السجّان أمام هذه الزيارة المفاجئة؛ حيث جاهدت إدارةالسجن في التنظيف وتغيير الأثاث وغير ذلك في محاولة لوضع (مكياج) على وجهها القبيح، وقرر السجناء أن يتقدموا بطلباتهم لهذا الوفدالعالمي الذي سبب لإدارة السجن قلقا لاينتهي، وقرروا كذلك أن يتولى نيلسون مانديلا تقديم طلباتهم والتحدث نيابة عنهم أمام الوفد الزائر،وبدأت الاجتماعات اليومية ليقرر السجناء ماذا يقولون؟
وتوالت الأيام فهذا يطالب بأثاث نظيف ، وهذا يطالب بإحضار الصحف والمجلات وذاك يطالب باستبدال الشوربة اليومية ووضع الملح والخضار المناسبة والمتنوعة فيها، أخذت هذه المداولات وقتاً وأياماً، وقد انشغل مانديلا بهذه المطالبات عن هدفه الأساسي وهو كتابة الرسائل والخُطب التي تلهب الجماهير خارج السجن وتُشكّل قلقا للسلطات المحلية، وانشغل مانديلا بهذه المطالبات التي يراها سخيفةً واشغلته عن هدفه الأساسي الذي دفع عمره ثمناً له، وفي لحظة وقفة مع النفس قرر مانديلا أن يعتذر عن مقابلة الوفد وأوكل المهمة لغيره وقال لو كانت الشوربة أكبر همي لقبلت بالشيكات المفتوحة ولقبلت مفاوضات البيض معي للتخلي عن الثورة ضدهم مقابل الثروة والملايين واطلاق سراحي، ولكني لن ألتفت لشوربة باردة لاطعم فيها ولافائدة، ولا مانع أن أنام وغطائي ممزق لايقي من برد، وسأمضي لتحقيق هدفي أو أموت دونه، مهما كانت ضغوط السجانين.
ويقول في مذكراته:
لقد عانيت كثيرا من تلك الشوربة السيئة ولقد دفعت ثمنها آلاماً لم تغادر معدتي لسنوات طويلة ولكن حينما أنظر لجنوب أفريقيا اليوم وقدتحررت من قبضة البيض أقول : ماذا لو فضّلت الشوربة الساخنةعلى هذا الإنجاز العظيم والحرية التي تمتع بها أبناء بلدي؟
لقد كانت “شوربة مانديلاً” درساً لكل طموح يضع أمامه هدفاً كبيراً بأن لايجعل توافه الأمور تحول دون تحقيق هذا الهدف، وفي سبيل تحقيق أهدافنا سنتذوق المر بكل تأكيد في رحلة النجاح، ولكن في النهاية سيكون الشهد هو مذاقنا المفضل.
تحية للراحل العظيم مانديلا، تحية لزهرة الربيع السوداء كما يحلو لأنصاره تسميته، ما ألذّ مذاق الشوربة التي لاطعم فيها ولارائحة إذا كان ثمنها حرية شعب بأكمله.
التعليقات
الحريه
طلبوها فأعيتهم؛ طلبتهم فأدمتهم.
اترك تعليقاً