طرقت باب ذهني جدلية الكأس بين نصفيه الفارغ والممتلئ، التي حاك حولها العالم نظرات التفاؤل والتشاؤم وما لحق بها من تحليلات نفسية وفلسفات، بل وفكر عقدي وافد متمثل في سماجة قانون الجذب -التعيس- وما كان هذا الطارق ليطرق الباب وحده فقد جاء بصحبته مسألة الشر وعجرفة الإلحاد الممتعض من كل ما لا ينسجم مع عشوائيته العقلية المنسوجة بصوف منفوش يُعتم الرؤيا فلا يبصر منها إلا الألم والمرض والفقد والفراق وأخواتِها من الأحزان والمخاوف، ومع جائحة كورونا-سلمنا الله منها جميعا-لم يجلب لنا أرباب فلسفة التفاؤل نصراً ولم تزد النزعة التشاؤمية أصحابها إلا تبارا، بل ولم يجلب قانون الجذب لأهله ومن صدق قولهم أو بعض قولهم سلامةً ولا دواءً ولا حماية.

وعند التحقيق في جدلية الكأس نجد أن المسألة ليست مجرد رؤيا تحمل بين طياتها التفاؤل أو التشاؤم، بل هي مسح استطلاعي للواقع ومعطياته من جهة، والأثر النفسي المرتبط بالمسالك الاعتقادية للبشر من جهة أخرى؛ وما من بلوى تعم إلا والناس فيها أحد ثلاث: مؤمنٌ مرحوم يزداد بها رفعٌ للدرجات وتخفيفٌ من اوزار الذنوب والآثام، وكافرٌ معذب يزداد بها على امتعاضه وشكه نقمةً وشقاوة، وفاسقٌ مُنذَرٌ فإما توبة تنجيه وإما انغماس في فسقه يرديه.

ولعل شفاء الصدور من ذلك كله يكون بتتبع النظر لحكمة الله تعالى والمصالح المتحصلة والمفاسد المندفعة في نظرةٍ تكامليةٍ شرعيةٍ بعيدةٍ عن الإرجاء وغيره من المفاسد العقدية.

وبمنهج المقارنة وعلى نسق قبل وبعد التعقبي للأحداث العالمية برزت مبشرات منها سكون أصحاب الشرور العظام وانشغالهم بأنفسهم عن شغل الناس بطغيانهم واندست رؤوس الثعابين تحت الثرى، وهذا والله من أكبر النعم، كما صمت كل ناعق تشدق بمزاعم الحرية والتطور الهادفة لسلخ الناس من الدين سلخ النعاج الحية تسمع وترى لا تستطيع سوى ذرف الدموع، أما المنسلخة-أصلاً-فلم تكن إلا حيات تبدل جلودها بحسب مقاس هواها، فأغلقت نواديهم وتوقفت مزاميرهم وانقلب السحر على الساحر.

وانفضحت الرأس مالية وظهر وجهها الفاسد، وتشدقِ دولها بحقوق الإنسان لم يعد سوى علكة تُمضغ عند نقد الإسلام والطعن فيه وإزاغة قلوب من ضل عن سبيل ربه من أهله فلم يعد يبحث إلا عن رضى نفسه وهواها، فكان إلهه فأغواه، وطغيان النظرة المادية المسيطرة فلا أهمية لشيء عندهم سوى المال، والإنسان مجرد سلعة تعصف به رياح الاستثمار أينما وقعت حبوب لقاحها، وفي المقابل زادت ثقة الناس في حكومتنا الرشيدة فما ظهر منها من حنو وحرص وبذل وجهود أخرس كل من أراد اللعب بعقول العامة وغرس أشواك النقمة الباهتة الأسباب والمعاني.

وعند النظر لهذه النازلة وأثرها والتفاعل معها وما بذل من جهود خلالها، تجد مهارات التفاعل مع الأزمات تفوق التوقع والوصف أمنيا وصحيا واقتصاديا وتقنيا، مما لا نستطيع معه إيفاء الشكر لأصحاب تلك الجهود رفع الله لهم قدرهم وزاد في أجرهم.

ومما يضحك أن ما اتُهم به الإسلام والمسلمون من دعوى الإرهاب بسبب ممارسات تنظيم القاعدة وربائبه وغيرهم ممن رفع راية إباحة الخروج على ولي الأمر قولا وفعلا سطع فوق شمس غرور المُتَهِمين من خلال التنظيمات الأناركية -اللا سلطوية- فأخذت تعصف وتزفر فعلم الناس أن الإرهاب لا دين له ولا ملة وأصحابه في تبريره وتحسينه سواء أهل التأول وأهل الفلسفة والهوى.

وبغض النظر عن ماهية الأيدي الخفية في حدوث هذه الجائحة وأهدافهم القبلية والبعدية والتي قد تجمل في إعادة الصياغة الاقتصادية في العالم بتكبد الدول أعباء تُضعف ميزانياتها وتكبد الشعوب الفقر والعوز أو نقص المعيشة في أحسن الأحوال، وتحويل العالم لبيئة خصبة للبحوث الميدانية التي تسودها وتيرة واحدة من الأحداث على أصعدة سياسية واقتصادية واجتماعية وطبية وأمنية وتعليمية وغيرها مما لا يعلمه إلا الله لكن لطف الله أكبر وقدره هو النافذ وإن وافق بعضه بعض هواهم لكن (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30] ولا نقول إلا كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173]، ونتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم  لابن عباس رضي الله عنه: (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

وعلى الرغم من ذلك فلا يجب أن نغفل عن أن خلق الله جنده يسلط بعضهم على بعض إن شاء، ويكفهم عن بعض إن شاء، وسبل النجاة في التناصح والتوبة.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله ما علمنا منه، وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.