يشهد التاريخ على مواقف الملك فيصل – رحمه الله – البطولية في كافة الأحداث التي عصفت بالمنطقة في فترة حكمه، ومنها مواقف عدة مؤثرة مع مصر خلال حروبها التي خاضتها في تلك الفترة، ومن بين هذه المواقف قصة توبيخه لخادمه حينما أبلغه مسرورًا بهزيمة مصر عام 1967 رغم الخلاف بين البلدين حينها.

ودعا الملك فيصل لقمة عربية وقال كلمته الشهيرة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ذات مرة في مؤتمر عُقد بالخرطوم بعد حرب 67 بعدة أيام “يا جمال مصر تأمر ولا تطلب”؛ ليأتي اليوم الموعود وقطع النفط عن الغرب في ضربة قاسمة.

ومنذ اليوم الأول لقيام حرب أكتوبر طلب الملك فيصل مقابلة الرئيس الأمريكي “نيكسون”، من أجل مناقشته عما تردد من منح الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية تؤمن لها بعض الاتزان في ساحات المعارك؛ حيث اتخذ الملك فيصل – رحمه الله – قراراً مع عدة دول خليجية أخرى، قطع البترول عن كل الدول الصديقة والمتعاونة والتي تقف موقفاً داعماً لإسرائيل، وعقب ذلك أرسل الرئيس الأمريكي وزير خارجيته هنري كيسنجر إلي الملك فيصل بغية إثنائه عن قراره بقطع البترول عن دول الغرب.

وبدأ كيسنجر حديثه مع الملك فيصل بمداعبة قائلاً: “إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة”، وكان جواب الملك له محدداً ومؤثرًا “وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصي قبل أن أموت، فهل تساعدني علي تحقيق هذه الأمنية”.

ورفض الملك فيصل التجاوب مع مطالب الغرب وقدم الدعم المادي والعسكري واللوجستي لمصر في حربها، وقال مقولته الشهيرة “عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهم”، فيما لم يقتصر دور المملكة على قطع النفط فقط، لكن قوات المملكة شاركت في حرب أكتوبر ضمن الجبهة السورية، بالإضافة إلى مشاركتها بفوج من المدرعات وبطارية مدفعية وفوج المظلات الرابع و مدرعات لواء الملك عبد العزيز الميكانيكي، وكان عددهم ثلاثة أفواج وبطاريات مدفعية ذاتية، كما قامت بإنشاء جسر جوى لإرسال حوالى 20000 جندى إلى الجبهة، وذلك بالإضافة لأسلحة دعم أخرى.

وأرسلت قوات من لواء الملك عبدالعزيز، وفوج مدفعية وفوج مظلات، وسرية بندقية، وسرية إشارة، وسرية هاون، وفصيلة صيانة مدرعات، وسرية صيانة للجبهة السورية»، فيما أصر الملك فيصل يرحمه الله على زيارة جبهات القتال أثناء حرب أكتوبر يرافقه الرئيس المصري محمد أنور السادات، علاوة على الزيارات الميدانية المتتالية التي قام بها أمراء ووزراء سعوديون، لتفقد القوات المصرية على الجبهة، وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصري.

وقال الملك فيصل حينها: “إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من تقديم أرواح جنودها فى معارك الأمة المصيرية، واننا قد تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع اليها مرة أخرى وحرق ابار البترول بأيدينا وألا تصل إلى أيد اعدائنا”، وفي ذلك في كلمات تاريخية محفورة في أذهان الجميع.

وتحتفل مصر والعالم العربي اليوم بذكرى النصر في العاشر من رمضان 1393هـ السادس من أكتوبر 1973م، تلك الحرب التاريخية التي انتصر فيها الجيش المصري على نظيره الإسرائيلي، محطماً أسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، بعدما دمّر خط بارليف، وتوغل داخل سيناء المحتلة منذ 1967، ما مهد الطريق لاستعادة كامل سيناء.