جبل، رجل كألف رجل، بسمته صباح يملأ الداير، كلمته حكمة يجلجل صداها في وهاد بني مالك وما جاورها، بابه يسع الوطن، ومجلسه يشبه أحد المواقيت هو له ولمن مر به من غير أهله، منذ فتحت عيني على الحياة ما رأيته عبوسا ولا ألفيته إلا سحابا يهمي، ولا وجدته إلا حبيبا سؤولا عن أهل وعن حال، يتفقد معارفه، يبادرهم، يهتم بهم وقد يعرفه أبناؤهم كأقرب إنسان لهم؛ لحنانه ولطيف معشره، وديمومة وصله، يمد يده فتصل فيفا وبلغازي وبني حريص والريث وآل تليد، وقد يتجاوز نداها إلى شمال وشرق وغرب ووسط سعوديته في تفرد يعمق جرح فراقه، وتجل يعيي صبر أولي الألباب.

إنه روح الداير وعطرها الفواح جودا وكرما ومبادرة وعونا ونجدة( محمد بن سعيد المالكي)، والذي رحل عنا صباح هذا اليوم الإثنين(١٤٤٣/٨/٢٥)، تاركا أريج الريحان يغرورق دمعا ويذوب من كمد البين حين لا يهب شذاه من بين راحتي باب الداير الكبير، ولا يشنف أنف ذلك الجبل الأشم، ولا يزدان في جيب ولا على مفرق علمنا الوقور( أبي سعيد).

أما الحزن فوالله مداه، والحرقة فيا كبدي واحراه، وأما الدمع فجدير بأن يسح من المقلتين، فالرجل لم يكن كسواه، والفؤاد ينبض من وله( وا محمداه)، ولكنه أمر الله ومالنا إلا الصبر والتأسي بسيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرا، بالقول: تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا أبا سعيد لمحزونون.

ولنا صادق العزاء في ثلة من بنيه وبني أخيه والذي سبقه للقاء ربه على نهجهما يسيرون، ولدربهما يقتفون، فهم خير خلف لخير سلف، وفقهم الله وسدد خطاهم، وأعانهم.

اللهم ارحم فقيدنا رحمة الأبرار، وتقبله في الصالحين والأخيار وأحسن العزاء فيه لكل قريب يفتقده، وبعيد يحبه،وألهم يا ربي الجميع صبرا وسلوانا،و” إنا لله وإنا إليه راجعون”.