أجاب الشيخ الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقا، على سؤال بخصوص حكم قول بعض الناس إذا مات لهم ميّت: ذهب إلى مثواه الأخير، أو قولهم: اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك.

وقال الخضير في رده: قولهم إذا مات الميت: (ذهب إلى مثواه الأخير) لا شك أن هذا إن كانوا يقصدون به متجاوزين البرزخ أنه خلاص انتقل من هذه الدنيا إلى الآخرة مقابلتها فإن الآخرة ليس بعدها شيء.

وتابع: أما إذا تصوّر أن المراحل ثلاث: الدنيا، والبرزخ، والمثوى الأخير الذي هو الجنة أو النار، فهذا لا يجوز، فإنه قد يقوله من لا يؤمن بالبعث، ويفهم منه أنه لا شيء بعد القبر، وهذا الكلام لا يجوز، فالإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان، فليس القبر أخيرًا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، والمثوى الأخير في الحقيقة هو إذا دخل الإنسان أو الجان الجنة أو النار، يستقرون فيها خلود فلا موت في الجنة لا شيء بعدها، وأيضًا في النار خلود بلا موت، نسأل الله السلامة والعافية.

وأضاف: أما بالنسبة للجملة الثانية وهي قولهم: اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك، أو جمعنا الله بك في مستقر رحمته، فاختلف أهل العلم في هذه الكلمة على قولين.

واستكمل: وقد أشار الإمام البخاري إلى ذلك الخلاف الكائن فقال: باب من كره أن يقال: اللهم اجعلني في مستقر رحمتك، عن أبي الحارث الكرماني قال: سمعت رجلاً قال لأبي رجاء: أقرأ عليك السلام، وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته، قال وهل يستطيع أحد ذلك؟ قال: فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة، قال: لم تصب، قال: فما مستقر رحمته؟ قال: رب العالمين.

وتابع: إذا كان المقصود الرحمة التي هي الصفة فلا يمكن أن يجتمع بها أحد، وجوَّز ذلك النووي -رحمه الله- خلافًا لما قاله أبو رجاء العطاردي فقال كما في الأذكار: “ومن ذلك ما رواه النحاس عن أبي بكر محمد بن يحيى قال: وكان من الفقهاء الأدباء العلماء قال: لا تقل جمع الله بيننا في مستقر رحمته، فرحمة الله أوسع من أن يكون لها قرار، قال: لا تقل: ارحمنا برحمتك. قلت -يقول النووي-: لا نعلم لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليل له فيما ذكره، فإن مراد القائل بمستقر الرحمة الجنة، -{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ}، والمراد بذلك الجنة- ومعناه جمع بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلها استقر فيها أبدًا، وأمنَ الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول: اجمع بيننا في مستقر نناله برحمتك)، «لن يدخل أحدا عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة».

وأشار إلى أنه نقل البَعلي عن أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية تجويزه، قال: “ويكره الدعاء بالبقاء لكل أحد؛ لأنه شيء قد فرغ منه، ونص عليه الإمام أحمد في رواية أبي أصرم”، أما الدعاء بالبقاء وطول العمر ففيه حديث أم حبيبة –رضي الله عنها- وقد نهاها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله»، لكن يقرن الدعاء بوصف وشيء ينفعه مثل: على طاعته، أما طول العمر بغير وصف ينفع فليس بمطلب «خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله»، وطول العمر ليس بمقصد في ذاته، فقد عرفنا في تواريخ الأئمة وأهل العلم أن منهم من لم يبلغ الأربعين وذكره باقٍ إلى قيام الساعة، فعمر بن عبد العزيز الذي طبّق الآفاقَ ذكرُه، عمره تسع وثلاثون سنة، وكثير من أهل العلم لم يبلغوا الأربعين، بل دون ذلك أو فوقها بقليل ومع ذلك نفع الله بهم نفعًا عظيماً، ووجدت البركة من الله -جل وعلا- في مؤلفاتهم وفي علمهم وانتشار تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم، شيء لا يخطر على البال، ومن الناس مَن بلغ المائة بل زادوا على ذلك ومروا وفاتوا فلم يكن لهم أي ذكر، فالعبرة بما يودع في هذه الأيام في هذه الخزائن في هذه الساعات، وإلا مجرد مرور الأيام السبت الأحد الاثنين…، الساعة الأولى من هذا اليوم، الثانية الثالثة… ما لها قيمة {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}، ما يغني عنهم إذا لم يُودعوا في هذه الخزائن ما يقربهم إلى الله -جل وعلا-.

قال البعلي في تتمة كلامه: ونص عليه الإمام أحمد في رواية أبي أصرم، وقال له رجل: جمعنا الله وإياك في مستقر رحمته، فقال: لا تقل هذا، وكان أبو العباس يميل إلى أنه لا يكره الدعاء بذلك، ويقول: إن الرحمة هاهنا المراد بها الرحمة المخلوقة ومستقرها الجنة، وقول طائفة من السلف.

وكذلك نقله تلميذه ابن القيم قال: ومن مسائل أحمد بن أحرم – ولعله ابن أصرم-: سمعته وقال له رجل: “جمعنا الله تعالى وإياك في مستقر رحمته” فقال: “لا تقل هكذا”، إلى آخر ما ذكره أهل العلم، لكن إذا كان المراد الرحمة التي هي الصفة فلا يليق ولا يجوز، وإذا كان الرحمة المراد بها الجنة {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ}، وهي دار القرار، فنسأل الله أن يجمعنا فيها.