يشهد عصرنا صراعاً ثورياً بين الأخلاق والرذيلة في ظل انفتاح العالم على بعضه من خلال قنوات التواصل الاجتماعي وفضاء الإنترنت الزاخر بكل شيء تقريباً، فيما أصبح من الصعب السيطرة على ما يتم بثه عبر القنوات الفضائية ومنصات المشاهدة ومواقع التواصل المختلفة والوقوف ضد أهداف إطلاق تلك السموم وجعلها وجها جديداً للحرية والثقافة والرقي وأنها من متطلبات التغير المتسارع للحياة.

فيما يواصل الغرب بكافة وسائله وأذرعه المتاحة نشر الرذيلة بكل الطرق وذلك بدعوى الحريات ومواكبة التطور دون مراعاة للمبادئ والمعتقدات والأعراف! مستهدفاً بها جميع فئات المجتمع كبارهم وصغارهم وتسهيل عمليات الوصول والظهور العلني لتلك المشاهد والمواقف للعلن دون قيود.

سعت منصات (اليوتيوب – والتيك توك – والنتفليكس- والسناب شات) وغيرها عبر الإعلانات والمشاهد المباشرة وحلقات المسلسلات ومشاهد الأفلام لتقديم المحتوى الهابط والدعوة للرذيلة ونشرها بين المجتمعات كافة خصوصا المحافظة منها، فيما خرجت تلك المنصات من كونها وسائل للترفيه إلى وسائل لهدم القيم والأخلاق بدعوى الحريات ونشر الثقافة.

إن القلق الكبير والمتصاعد الذي يعيشه الأباء والأمهات وكذلك المعلمون والمربون جراء الجرأة الخارجة عن طور السيطرة والتقنين الضاربة بعرض الحائط التربية والأخلاق وصولاً لفئة الأطفال بمشاهد خادشه ومفزعة تنافي أي تربية فطرية لحري بالجميع اليقظة العالية والقلق الدائم لما يعترض طريق النشء عبر فضاءات الشبكة المختلفة.

بينما تتصاعد وتيرة الجدل حول تلك المواد المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما مع توالي الإنتاجات الموجهة والناطقة باللغة العربية لشبكات البث التليفزيوني ومواقع التواصل الاجتماعي حيث يتهم البعض تلك المنصات بتعمد تشويه قيم المجتمع العربي من خلال أعمالها وما تبثه من محتوى يستهدف وبشكل مباشر تلك المجتمعات.

هذا التوجه والتعمد في نشر هذا المحتوى الهابط هو نتاج ما يسمى بـ “الهيمنة الثقافية الغربية” وتعود فكرتها إلى كتابات الفيلسوف الماركسي “أنطونيو غرامشي” خلال عشرينات القرن الماضي، حيث رأى “غرامشي” أن السلطة تأتي من الإقناع، وأن الأفكار هي من يتحكم في الشعوب وليس العكس، وبهذا تقع كل القيم المجتمعية والتقاليد والعادات المتعارف عليها ضمن هذا الإطار.

وبشكل عالمي ارتبط مصطلح الهيمنة الثقافية بإنتاج “هوليوود” القوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية الأكبر عالميًا، إذ انتشرت أفكار ومبادئ أمريكية عدة حول العالم من خلال الأفلام والمسلسلات الأمريكية، وقد يرى بعضهم تلك المبادئ متكررة في أعمال عربية أنتجتها مؤخراً شبكة “نتفليكس” وغيرها من منصات الإنتاج والبث العالمية.

من خلال تلك المواقف أصبح المشاهد مسيراً ومجبراً لا مخيراً فيما يشاهد عبر الفضاء الواسع، لذا فإننا بحاجة ماسة للوقوف ضد تلك الممارسات والتي بدأت تأخذ أشكالاً مختلفة لهدم قيمنا وتعاليم ديننا الحنيف (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ) البقرة 217.

اتخذت المملكة العربية السعودية موقف الحزم والتصدي تجاه تلك المنصات وما تبثه من سموم تنافي بها قيم ومبادئ المجتمع والدولة، حيث أصدرت مؤخراً “هيئة الإعلام المرئي والمسموع” خطاباً موجهاً لمنصة الـ”يوتيوب” تطالبها بإزالة الإعلانات الموجهة لمستخدميها في المملكة والتي تتضمن محتوى يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية وتحذرها من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حال استمرار بث المحتوى المخالف.

فيما أقرت شركة “قوقل” الحاضنة لمعظم منصات البث تلك بالمشكلة وأزالت الإعلانات غير الملائمة بمنصة اليوتيوب، وأغلقت حسابات المعلنين؛ رداً على مطالب السعودية.