يعدّ “ميدان الملك عبدالعزيز” بالمدينة المنورة شاهداً على النقلة العظيمة التي شهدتها المدينة المنورة في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله -،حيث بدأ زياراته للمدينة المنورة مستوصياً بأهلها خيراً, فأرسى الأمن والعدل والاستقرار في أرجائها, وأقرً التنظيم الإداري, وحرص على تيسير وصول الحجاج والزائرين للمدينة, وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمع المدني.
وتقصّت “واس” جوانب من سيرة جلالة الملك عبدالعزيز في المدينة المنورة والمواقف الاجتماعية لجلالته مع أهلها، واهتمامه وعنايته بشؤونها، من خلال إصدارات مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة التي حملت في طياتها العديد من روايات المؤرخين الثقات عن هذا الجانب من سيرة الملك المؤسس.
وشهد عام 1344هـ دخول المدينة المنورة في حكم الملك عبد العزيز – رحمه الله – فكانت بداية مرحلة التحوّل من عهد مليء بالجهل والصراعات وفقدان الأمن إلى عهد الاستقرار والتطوّر الحضاري في مختلف الجوانب الاجتماعية والعلمية والثقافية والعمرانية والصحية والاقتصادية.
وفي أواخر شهر ربيع الآخر عام 1345هـ / 1926م زار الملك عبد العزيز المدينة المنورة قادمًا من جدة في موكبٍ يتكّون من تسع عشرة سيارة, لتفقد أحوالها, وبعد زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه, جلس جلالة الملك لاستقبال الأهالي الذين أقاموا وليمة في محطة السكة الحديد, حضرها الأعيان والموظفون احتفاءً بقدوم جلالته, وقد طال المكوث هناك إلى وقت متأخر, وحينما انفضّ الجمع أمر جلالته حينئذٍ عدة من سياراته الخاصة بنقل المدعوين إلى مساكنهم.
وأقام الملك في المدينة نحو شهرين, قضاهما في تنظيم الأوضاع الإدارية, وتفقد أحوال أهل المنطقة, وأصدر عدداً من الأوامر الإدارية, وأعاد تشكيل إدارة الحرم والأوقاف, وشكل مجلسًا جديدًا للقضاء, كما نظر في احتياجات المواطنين, فسادَ الأمن والاستقرار نتيجة لذلك على الرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية المحيطة.
وقال الملك رحمه الله في خطابه في المدينة المنورة : “إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث العابثين, ولنا الفخر العظيم في ذلك, وإن خطّتي التي سرتُ ولا أزال أسير عليها هي إقامة الشريعة السمحاء, كما أنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف, وإنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد, وأوسطكم أخاً, وصغيركم ابناً, فكونوا يداً واحدة, وألّفوا بين قلوبكم, لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا, إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين وخادمٌ للرعية, إن المُلك لله وحده, وما نحن إلا خدم لرعايانا, فإذا لم ننصف ضعيفهم ونأخذ على يد ظالمهم, وننصح لهم, ونسهر على مصالحهم, فنكون قد خُنا الأمانة المودعة إلينا, إننا لا تهمُّنا الأسماء ولا الألقاب, وإنما يهمُّنا القيامُ بحق الواجب لكلمة التوحيد, والنظر في الأمور التي توفّر الراحة والاطمئنان لرعايانا, إن من حقكم علينا النُّصحُ لنا, فإذا رأيتم خطأ من موظف أو تجاوزاً من إنسان فعليكم برفع ذلك إلينا لننظر فيه, فإن لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم ووطنكم وولاتكم”.
وكانت الزيارة الثانية للملك عبد العزيز – رحمه الله – للمدينة المنورة في يوم الأربعاء 12 من ذي القعدة 1346 هـ حيث أقيم له سرادق الاستقبال في العنبرية, وتحدّث – رحمه الله – في مساء ذلك اليوم عن أهمية الأمن والاستقرار, ودور المواطنين في بناء وطنهم, وفي يوم الخميس 13 من ذي القعدة زار – رحمه الله – البقيع ومسجد قباء, وتفقّد ما يجب إصلاحه, وأوصى بالمتابعة وكتابة التقارير, وفي يوم الجمعة 14 من ذي القعدة, صلىّ الجمعة بالمسجد النبوي, ثم عمل توديع كبير له – رحمه الله – في باب العنبرية.
أما الزيارة الثالثة لجلالته للمدينة المنورة فكانت في شهر صفر من عام 1364 هـ, وهي زيارة تفقدية استمرت عدة أيام, تفقد خلالها – رحمه الله – مباني المسجد النبوي الشريف, وأحوال المدينة وإداراتها, وتم إرساء عدد من المشروعات فيها, وفي ختام الزيارة توجّه للمسجد النبوي مصلياً ثم مسلماً على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم وُدَّع المدينة بحفاوة من أهلها.
ويمثّل “ميدان الملك عبد العزيز” في المدينة المنورة شاهداً على تاريخ الزيارات الميمونة لجلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله – للمدينة المنورة, وذكرى مشرقةً تستذكر فيه الأجيال جوانب من سيرة موحّد البلاد ومؤسس نهضتها, وشاهداً على احتفاء أهل المدينة بقدومه, ففي هذا الميدان استقبل أهل المدينة المنورة جلالته استقبالاً حافلاً بالحفاوة والتكريم, ويقع الميدان في المنطقة المعروفة اليوم بـ “العنبرية”, كما سكن الملك عبد العزيز – رحمه الله – في نهاية الشارع الممتدّ إلى الميدان, بجوار مسجد “الغمامة” وهو قريب من هذا الميدان.
وفي هذا الميدان يتذكّر الجميع تلك التضحيات الكبيرة, والجهود المتتابعة التي بذلها الملك المؤسس – رحمه الله – في توحيد المملكة العربية السعودية, واستقرار الأمن والأمان في جميع أرجائها ومناطقها.
ويقع مشروع “ميدان الملك عبدالعزيز” على امتداد ساحة الغمامة غرب المسجد النبوي الشريف, متوسطاً مبنى إمارة المنطقة, ومسجد العنبرية, ومبنى الأمانة, ليصبح بذلك أحد المعالم الرئيسة بالمدينة المنورة.
ولهذا الميدان علاقة بعدة مواضع مرتبطة بسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – من أبرزها أرض السقيا التي دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها لأهل المدينة بقوله: “اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة, وأنا محمد عبدك ونبيك ورسولك, أدعوك لأهل المدينة, مثل ما دعاك به إبراهيم لأهل مكة, ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدّهم وثمارهم, اللهم حبِّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة”, وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعذب ماء بئرها, كما استعرض النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه معسكره وهو ذاهب إلى بدر.
ويبقى هذا الميدان حكاية تروى في بدء تاريخ جديد للمدينة المنورة, زالت معه أسباب الخوف, واستقر ّفيه الأمن, وعمّ فيه الرخاء, إنها قصة الولاء والوفاء للملك المؤسس – رحمه الله – الذي حرص على زيارة المدينة بعد عام من دخولها في حكمه, تفقداً لها ولأهلها, آمراً بالإصلاحات المشهودة التي لا تزال المدينة تسير على خُطاها.
التعليقات
اترك تعليقاً