يعيش كثير من الناس حالة من الشعور بالألم المتواصل الذي لا يفارقهم، والناتج عن أحداث ومواقف سابقة لأشهر وربما أعوام، هذا الانخراط المفرط في تذكر الألم وعدم القدرة على تجاوزه رغم التغيرات التي تطرأ على المرء في كافة جوانب الحياة وعدم القدرة على نسيان الألم له تفسير ومنطق لدى علماء الطب والاجتماع فيما يعرف ذاكرة الألم أو ذاكرة الجسد.

ماهي الدوافع وراء عدم النسيان أو استجلاب الأحداث الناتج عنها تكرار وتذكر الألم؟

يثبت القرآن الكريم أن لأعضائنا القدرة على جمع المعلومات وتذكرها في مواضع كثيرة: يقول الله تبارك وتعالى متحدثاً عن موقف عظيم من مواقف يوم القيامة (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت: 19-20].

والذي يستدعي التوقف والوقوف طويلاً في هذا النص الكريم قوله تبارك وتعالى: (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ).

فقد لاحظ العلماء في السنوات القليلة الماضية أن هنالك ذاكرة لخلايا الجلد، حين اكتشف ذلك عالِم الطب (كلارك أوتلي) فكان يأخذ قطعة من جلد شخص ويزرعها لشخص آخر احترق جلده مثلاً، وقد وصل هذا العالِم إلى نتيجة أنـ 70% من الذين أُجريت لهم زراعة الجلد من أشخاص آخرين قد أُصيبوا بسرطان الجلد؛ بعد فترة قصيرة من العملية! لأن الخلايا تنقل معها كل المشاكل والأحداث والمعلومات الخاصة بذلك الشخص، وهكذا يرفض جسم المريض أي جلد من شخص آخر، ويؤكد أن الجلد يملك ذاكرة قوية جداً، فهو لا ينسى.

بالإضافة لذاكرة الصدر والتي وردت في قوله تعالى:(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].

وغيرها من الشواهد والحقائق العلمية التي تؤكد بهذا أن المخ أو الدماغ لا ينفرد بالتذكر والحفظ، حيث تشاركه خلايا أعضائنا الداخلية وأسطح جلودنا بتلك الخاصية.

لذا نجد كثير من الناس يستحضر مواقف الألم والقهر الذي أصابه عبر مراحل العمر المختلفة أكثر من تذكر لحظات الأنس والفرح لأن الغالبية من الناس تفكر دائماً في الجانب السلبي معتمدين في ذلك على اتساع النزعة السلبية للأمور على وجه العموم.

فيما يرى علماء النفس وأصحاب التنمية البشرية أن الإنسان هو نتاج ما يفكر فيه ويستحضره، مطالبين بتهيئة النفس دوماً للتكفير الإيجابي واستحضار المواقف والميزات الحسنة للشخص، والتفاؤل في كافة الأمور التي تعتريه.

إذا كان الألم يتفوق في الذاكرة برسوخ آثاره إلاّ أن علينا فعلاً أن نخلق تجارب مبهجة لنا ولغيرنا، لأن التجارب المبهجة والسعيدة لها أيضاً رسوخ في ذاكرتنا، ليس هذا فقط؛ بل إن الجميع يهرب من الألم ويبحث عن السعادة ونيسان اللحظات والمواقف السيئة أخيراً.

تذكر وحاول التركيز أكثر على لحظات الرخاء والسعادة، هي موجودة بالتأكيد، مخبوءة في داخلك، حاول استدعاءها، أو إيجادها، واحرص على إحاطة نفسك بأشخاص يشاركونك المشاعر الإيجابية.