لم يكن بزوغ فجر ٨/١ شعبان عاديا بالنسبة لي بل كان مختلفا بكل ما عنت الكلمة من معنى، إنه يوم حزين ووقع جلل، وهو رحيل رفيق العمر زوجي الغالي إلى جوار ربه بهدوء يشبه هدوء ذلك الفجر الحزين بعد صراع ومعاناة طويلة ومريرة مع المرض الذي أقعده طريح الفراش على مدى سنوات.

دائما في الملمات ينفطر القلب جزعا، ولكننا نستذكر أمر الله الذي لا راد له.

إنه الإيمان الذي يأمرنا أن نسلم بقدر الله وقضائه، ومن سنة الحياة أن التغير والفراق جزءان منها، لكن لحظة الصدمة تجعل تجاوزها أمرا دونه جبال من الحزن، فنواسي النفس بحكمة الله ورحمته.

لو أردت الكتابة عن محمد ستخونني أحرفي ويعجز قلمي عن وصف هذا الرجل، إن محمد لم يكن مجرد رجلا عاديا بل كان شخصا استثنائيا تتجرد كل معاني القواميس في ترجمة شخصية ذلك الرجل الاستثنائي.

لقد عرفته هادئا صامتا متواضعا مسالما محبا لأبناءه حبا جما، حبا يفوق الوصف.

كان رحمه الله كائنا فريدا من نوعه وإني لا أبالغ بذلك الوصف، ظهر ذلك جليا في نقاء قلبه ودماثة خلقه وطيب معشره وسماحة نفسه ولين جانبه ووقار طلته وهيبته.

عاش بعيدا عن الأضواء اكتفى بضياء قلبه، عاش قليل الاتباع لم يثر اسمه المسامع إذا ذكر، كان يعيش في كوكبه المتفرد الذي حوى الكثير من الأسرار التي لم يعلمها غيره كان بسيط الأحلام وبسيط الآمال.

عاش كعابر سبيل لم يكن يعنيه إن كان معروفا أو مجهولا، لم تكن غايته يوما الصيت والغنى بل كان جل اهتمامه أن يذكر في السماء، لم يلهث وراء الدنيا يوما، كان جل سعادته أن يكون بعيدا عن أنظار الناس ويعتزل مخالطتهم، كان يحتاج فقط إلى سماء الله الواسعة يناجي بها خالقه .

كان يعيش الغربة الصالحة في الدنيا.

عانى الكثير والكثير من وطأة المرض وكان صابرا محتسبا، كان جسورا حتى وهو على فراش المرض، كنت أعلم جيدا مدى وهنه وتعبه وضعفه ولكنه كان يظهر لنا غير ذلك، رأيته متماسكا رغم كل ظروف مرضه العاتية.

كانت الإرادة والرغبة الأكيدة مهما بلغت التحديات مثالاً له حتى اللحظات الأخيرة وهو يصارع ضعف قلبه الحنون، ويرفض الاستسلام من اجل أحبته.

رحل عنا ولم يقل وداعا، وها نحن نودعك وندعو لك وسوف نظل نذكرك ولن ننساك، ولن ننسى لحظاتك وأيامك الجميلة.

ستبقى ذكرياتي الجميلة عن زمن جميل عشناه معا على الرغم من مصاعبه وعلى الرغم من تحدياته وعلى الرغم من شوائبه .

رحم الله فقيدي رفيق العمر، نم قرير العين يا أبا تركي وتأكد أنك باق في قلوبنا وعقولنا وحياتنا.. سنبقى نتذكر ابتسامتك وطهارة قلبك ودماثة خلقك.

أسأل الله أن يجعلك في جنات الخلد.