خرجت والكلب الصغير معها تركض في فناء الريف والروح تطير بها في شعاع الإشراق بهجة والأنفاس يثور دخانها حرارة ليرتشف العمر دواءه من الخيال وهواء الطبيعة ، والخُطا في سباقها نحو الحقول المثمرة ، والطير صافاتٍ تسبيحاً وإنشاد فصاحة لا يشوشها الكدر
والرذاذ هتونه يبهج القلوب ليغسل الأحزان .
أرياف لا زلال في مائها النقي وخلابة في هوائها وسمائها لترتخي الروح في وحدتها صفاء لتدغدغ البراءة نشوتها وببهجتها معجبة بطفولتها الجميلة التي لا يعكر صفوها ضباب التعب ، لقد ازدادت هايدي وضاءة وبهاء وجمالا ، عليها قبعة حمراء دامية مطرزة من الخزف الناعم بألوانه الجميلة.
ولكنه لفت إنتباه عزف خافت بين الأشجار هناك كأنه يراقص طيور الطبيعة مرفرفة والحشرات بين الحشائش راقصة .
توقفت هايدي لتصغي بأذنها نحو هذا الصوت الجميل إنها أمواج وذبذبات عزف لناي صوته شجي ، توقفت ملياً لقد نبش الصوت بلبلا بداخلها ليسمعها تغريده ، فيكون الوفاق مقرونا في صف الإعجاب ، جلست على حجرة بجانب الطريق وتردد الآهات بأنغام صوتها كأنها تلقي بحجر في مياه روحها الراكدة لتستمتع بالأمواج وتشاهد القيعان والأسماك تخطو نحو الحجر .
لقد ثارت غريزة الحياة في نفسها وتنفست عميقا والسؤال يردد لابد لهذا الصوت من شجون أثارت إبداعاته في هذا الصباح .
مازال العزف مستمرا كأنه يهتف إلى روحها لتذهب إليه قامت وخطاها فيها ارتباك وسعادة وخوف ووجل وترقب ، وكلما اقتربت من الصوت ارتفعت وتيرة الناي ، إنه الصباح يكتب رسائله بصفاء قطرات الندى على الورق لتكون الحروف أحفورة في الذكريات .
خطت نحوه والأذن صاغية صافية لهذا اللحن الجميل صفيرا مثل صفير بلابل الغابات ، إنه يسوق الأشواق إليها راحت مشت بخفة ورشاقة مع هذا الإشراق إنها هايدي وقوام ممشوق كالخيزران ،.
بدأت ملامح عازف الصوت تظهر ، إنه شاب جالس مقابل النهر ممسكا بعود نحيل يبكي من الحزن وبجانبه كأس ساخن يثور من حرارته مع الرذاذ يحتسي منه لينعش الروح وكأنه يغازل الطبيعة ليبوح لها إنشاده من هذا المزمار الذي يصول طربا في الأعماق لترتقي الفراشات متراقصة على أوراق الورد وتمتص الرحيق .
تأملته هايدي إنه شاب تبدو عليه ملامح جميلة عليه قبعة سوداء مطرزة أطرافها بمزيج من الألوان يبوح للهوى من لهيب حارق في روحه قد كتب إعجابه في رسالة صغيرة ورماها في كوخ الاحتفال .
الحب يبني أعشاشه في سيقان النخيل وفي جدار النظر نبح الكلب ليثير الانتباه ، التفت الشاب فإذا هي هايدي التي كان الحفل في كوخها وقف ووضع الناي خلف ظهره ، وكانت النظرات تدس حروف الهمس أمام الحاضرين من الطيور والحشرات ، إنه الذي حضر في الكوخ مع الأصدقاء إنه صاحب الورقة الملقاة على الأرض لقد ازداد نضوجا وجمالا في هذا الشروق .
لحظات كان الصمت يعتصر فكرها حاولت تركض وتتراجع إلى الخلف تصلبت قدماها ، وقفت الحيرة بينهما برهة كأنها تحمل رسائل بين القلوب لتجعل التعبير وفاقا ليخطو هو نحوها فالكيان قد ازداد ارتجافه ربكة من هواء الشعور وبدأ الارتعاش ينفض كيانها ، كانت النظرات بينهما تبني بيوتها من حرير العنكبوت في عش الجمال والإعجاب ، تقدم إليها خطوة تراجعت هي خطوتين.
ابتسم وألقى إليها التحية بعد أن رفع قبعته وانحنى إليها تقديرا وإعجابا ، لقد أثارت فيه نشوة من رائحة عطرها الذي فاح من سخونة الخوف وامتزج مع عرق المطر وفاح ليملأ المكان ، بدأت الأحلام تصافح الأقدار ليكون البناء في سماء الغيب بذوره وردات في الهواء الطلق الفسيح .
عازف الناي أشجانه ممطرة بنغمات الحب ، حاولت تتراجع خوفا من الشعور تعثرت في صخرة صغيرة صرخت خفيفا خطا نحوها حاول أن يمسك بيدها ليساعدها .
نهضت بسرعه بادرها بابتسامة جميلة أخرى ، شكرها على الحفل وترحيبها الحار بالحاضرين ليعيد لها هيبتها وثباتها.
ردت التحية بربكة مد يديه ليصافحها كانت ترتعش سقط الجراب الذي توضع فيه الفراوله ، قبل يديها للكبرياء انحناء كذلك الحب له انحناء لا يشعر به إلا الحبيب ، بادرها وأخذه وأعطاها وكرر عليها اسمه أنا كاري رحبت به . تأملها جيدا احمرت وجنتاها خجلا ، بادرها بسؤال يظهر لطفه مارأيك بهذا العزف يا هايدي ؟
ردت بخجل . أومأت برأسها وبابتسامة صفراء إنه رائع ، أخذ الناي وطفح ينفخ من أعماقه و يعزف أغنية بيت هوفن ضوء القمر ، أجلسها طرب الروح وصدى الناي على صخرة صغيرة والكلب بجانبها تارة يومئ بذله لها وتارة يكشر عن أنيابه دفاعاً عن الحب القديم وليم وهي تمسح على رأسه كأنها تقول له اصمت .
فالحياة مستمرة والأموات ذهبوا ولن يعودوا تركونا نتخبط في أحزاننا ونتعلل بالذكريات لتهدأ أرواحنا .
بدأ كاري ينفخ الآهات في مزماره وأغمض عينيه ليقرأ لها نوت الإعجاب من أعماقه لترددها النبضات في أعماقها أنساً وسكونا ، عندما يكون الألم قد استحكمت عواطفه بين أضلاعك والمحيطون بك لا يقدرون أن يقدموا لك شيئا يعيد ترميم كيانك الداخلي ، فهنا تكون المصائب
موحشة في النفوس لأنهم لا يجيدون فن العزف على مواطن الإحساس إذا الشعور حباً مفقودا تريده النفس .
إنها الحياة تقسو لتضعك بين أكوام القش حتى تكون عرضة الحريق أو التلف .
عندها يجب أن تختار الرحيل إلى حيث الكون يغطي سماءك بعالم آخر يبني فيك روح الأمل في لواعج النفس من تصدعات الحياة ويسقي غرسك حتى يزهر الورد فيها وتنضج الثمار ليشاركك قطافها الآخرون ويتذوقو
حلاوة نضجها .
إنها هايدي بكبرياء الجمال مخلوطاً بالألم على قلبين قلب فطر وذهب وقلب ينبض ولكنه أعمى ، إنها تحتاج إلى من يأخذ بيدها لترتقي سلالم الحياة من جديد تريد من ينتشلها من قيعان الكآبة ويرش في أنفاسها عطور الأمل لكي يعيد البناء في معابد الحب لتكون عذراء المحاسن والفكر ويستمتع الآخرون بوهج جمالها وعذوبة حنانها وفن عيونها وقوامها أخذها العازف بعيدا لتركض
إلى ،،،، يرقة أخرى في ريف الاعمى الذي يحلم أن يرى السماء .
ابتسم أيها الأنيق .
التعليقات
نعم تستمر الحياة ويبقى الاثر الجميل بارك فيك ابا خالد
اترك تعليقاً