ثمانية وثلاثون عاما منذ عرفت مديد القامة، رقيق الابتسامة، سيد الوسامة الشيخ/ علي بن يحيى سليمان المالكي، ومن حينها سكن الفؤاد، وتفرد بالوداد، لم أر شفتيه واجمتين حتى خيّل لي أنه دائم البسمة حتى في نومه، رجل علاقات ودبلوماسية رباني الشهادة، يحضر المناسبات المحلية والمناطقية كحضور العيد يتهادى كعقد فلّ أزهاره حلوى يسر حين يمر، ويضفي أجواء المرح مهما كانت الظروف والأحوال، كان مع أخويه الراحلين قبله حربان وسليمان- يرحمهما الله- مثلث (برمودا) الذي تضيع فيه كل الإشكاليات العارضة، لم يلجأ إليهم أحد من أبناء القبيلة والمحيط والمنطقة إلا وتهللت وجوههم فرحا وسعوا باذلين المال والجاه، نجدة كريم وفزعة حليم ووقفة عظيم، فكم سعوا لوظيفة؟

وكم أصلحوا بين طرفين؟ وكم جمعوا بين رأسين؟

كانوا إخوة من لا أخ له، وقرابة كل غريب، وقرة عين كل قريب، أولهم في الحضور وآخرهم في الرحيل هو فقيدنا الغالي، من علا واعتلى ذكرا وشكرا، فقد الأب والأخ فما تغيرت نظرته للحياة، ولا أحجم عن حضور ، ولا توانى عن إشعال قناديل النجاة.

كان أب أول شهيد سقى قاني دمه تراب الوطن في الحرب مع (حوث بوث) – قاتلهم الله- فبدا كفلقة البدر ليلة فرحة العمر، تعرض للمرض العضال فصبر وشكر وظل باسما حالما حتى لفظ أنفاسه- يرحمه الله-
علي بن يحيى، سريع البديهة، مفحم الأجوبة، كثير المواقف المثيرة، ولولا أن المقام مقام جدّ لأوردت نماذج تكاد تهتز منها سرورا صم الرواسي من فكاهتها ولطفها، تعتبر المجالس قبل حضوره مآتم تدب في أوصالها الحركة والأنس بمجرد إطلالته وتتحول من صحاري قاحلة إلى خمائل تتفيأ الأرواح.

دوحها وتتأرجح على سندسها فتتوارى الهموم، ويسود السعد المكان والزمان، وتذوب الفوارق فيشعر العموم بالألفة، ويصدرون ذاكرين أنيس مجلسهم وجليس أفئدتهم بكل خير.

اللهم اجعل ما فعل وقال وصبر ونال في ميزان حسناته، وأكرم نزله ووسع مدخله واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأحسن العزاء فيه لسائر أهله وذويه، واربط على قلوبهم وألهمهم الصبر والسلوان،و” إنا لله وإنا إليه راجعون”.