تدللت غربته في جوف جِرمه مابين نفسٍ تشتهي الإرتحال في أروقة الهدوء وأخرى تتناجز معها نحو الأجمل تائهة بين غسق الدجى وقيثارة البحر الآمن .
لم يكن يصغي لوحي الصحراء من شدة شغفه لغبار الرمل الذي كان يراه بعينيه يُشرق نحو السماء ثم يتدلى فجأة على مرافىء الركب وهيهات هيهات أن يرسم التاريخ ويحيا فيه وهو ينتحب بالبكاء الحر فقد غادره ذلك الفاحم قبل أن يجتمع به فأضحت شموعه تنتفض قبل لحظات الوداع فهل يُحاج على عبراته بعد أن انتشرت في أوردة بدنه ؟ ولمن ياترى يحكي قصة الطين وهو يمشي على قلب الحقيقة ؟ وحوله خطوٌ وحيد ولاجموع بعد مافرَّ ذلك الأدهم ولارجوع .
إغفاءة تعبت من خُطاه فاستقرت في جوفه بحصاة لم تُصمت رغائب المسغبة وهي تنبع من أحلام داكنة لا تستطيع الريح أن تجرها بعيداً عنه إلى منعطفات الفجر وزواياه ! كيف له والأمر كذلك أن تنسكب تلك التي تسد رمقه إلى أعماق جوفه والأظافر أمامه تنمو بدينة والمخالب منتفخة تدك الأرض المتعبة خلفه .
كيف يداعب الإحتضار والورد قد نما على صدأ النصول ولحافه غريب في زحمة الأصوات المنكسرة .. كيف يقف والصقيع حياله وكرة السعير تتسلق بوابة الذكرى بشوكٍ حديديٍ تليد ! هل يبحث عن رفيق ؟ ذلك مايعتصر قلبه أو ربما ألمه في زمانٍ خرجت فيه الشفاه عن صمتها الرائع وبدأت تثرثر عن دفء العيون وبرد الشتاء ورحيل الياسمين .
لم تعد للذكرى روعتها وأنغامها مقوضة فهل سيطفو الأمل وفتيلة شفاهه لازالت تبحث عن جمر الحقيقة .. أية حقيقة في هذا الزمن الجاف والصائف بأشرعته العائمه في عباءة الندب والنواح والبحر لازالت أقدامه تحنو إليه بالرغم من ثقوب أجسادهم التي تهوى أن تفرك بأملاحه في أعماق قيعانه لتتجدد براعم الوجدان ولكن كيف يتسنى لها أن تشطف كدمتها بالألم والشطآن أدبرت وهي حائرة بعد ما تركت ذراعيها بين الزوارق الضريرة .. لم يُفكر بالأمر وعاد أدراج الرياح والحقول كما كان فيها جرداء إلا من فئرانها التي إلتهمت صغارها وأزهارها ذابت كلها في أغنية العشق الهزيل .
تقوقع في مكانه وبدأ يعد فقاقيع الهواء وهدير ضفائر صداه صمتٌ مرير وهمس سراب ظله يحملق عن عمدٍ في كل الزغاريد التي تعانق الرحيل حين يغدو في خاصرة السفر والبنفسج لم تعد تدهشه ترنيمة السحاب بغشقات المطر الهتون على ضفة النهر … الأحدوثة أيها السادة هو أنهم رحلوا وبقي وحيداً يهذي مدحوراً تارة وتارة أخرى مذعوراً حينما يطفو وحده ويرى وجهه وحيداً يخطو على الماء وحيداً وهو يشدو عن خصلة الريح وتجاعيد الفصول وعن حصاد القمح والسنابل الصفراء وهي تُطوِّق ذاكرة الماضي العهيد !!!
التعليقات
اترك تعليقاً