العين مصطلح موجود في كل الأديان، وبعض الديانات تطلق عليه الروح الشريرة القاتلة أو الأرواح الحاقدة. وقد أصبح الناس يدفعون العائن ليس بالأذكار، وإنما بالكذب، وهو سلوك سيئ لا يحث عليه الإسلام، ولا يدخل في باب “وأما بنعمة ربك فحدث”.

نجد أن البعض ممن جعل العين بعبعًا يحاول الالتفاف على الدين بجواز الكذب لدفع العائن، وهذا سلوك يعكس ضعف الإيمان وسوء الفهم لمعنى التوكل على الله. مع ان الله ذكر في كتابه : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . فالإيمان بالقدر خيره وشره هو ركن من أركان العقيدة، ولا يصح أن يُناقَض بممارسة الكذب خوفًا من الإصابة بالعين. ومن هنا نجد التناقض بين الإيمان بأن الله هو المدبر، وبين الخوف المبالغ فيه من العين، الذي قد يصل إلى درجة الوسوسة والاضطراب النفسي.

لقد وصلت الوسوسة بالعين إلى حد الاختباء خلف الكذب، وهو سلوك اجتماعي سيئ ناتج عن الخوف من الحسد. نعم، قد حثنا الدين على التحصن من العين، ولكن ليس إلى درجة تبرير الوسيلة على الغاية. فهذا ليس سلوك السلف الصالح، الذين كانوا يدفعون البلاء بالأذكار والتحصن والاتكال على الله سبحانه، دون الخوض والتفكير في مثل هذه الوساوس التي تورث الشك والخوف، وتمييز الناس وتصنيفهم على أنهم حُسّاد لمجرد سؤالهم عن الأحوال.

أصبح الناس اليوم لا يميزون بين الحاسد والمحب، بل اتخذوا سلوكًا يجعلهم في دائرة واحدة وهي العائن. فقد يدّعي أحدهم أن سيارته تعطلت لأن زميله قد ركب معه وأُعجب بها، ومن بعدها تعطلت السيارة! وإذا سألته عن الأمر، قال لك: “قرأت أذكاري قبل قدومي إليه.” إذًا أين الإيمان بالتوكل؟ لقد ناقضه بالخوف من العين! أصبح ميزان الخوف من العين يرجح على التوكل، ومن هنا فُتح باب الوساوس والدوامة بتصنيف الناس كلهم – بلهجة العامية – إلى “النظل” أو “النحت”: “فلان نحوت”، “فلان نظول”، “ابتعد عنه”… كثيرًا ما نسمع مثل هذه المصطلحات في المجالس، حتى أصبح الناس يتعاملون مع بعضهم بحذر مبالغ فيه، مما يفسد العلاقات الاجتماعية ويزرع الشك وسوء الظن في النفوس.

المشكلة أن هذا الخوف المبالغ فيه من العين أفسد على الناس معيشتهم، حتى أصبح البعض يخشى من إظهار النعمة أو الفرح بها خوفًا من الحسد. تجد من يُرزق بمال أو وظيفة أو زواج، فيخفي الأمر عن أقرب الناس إليه، وكأن إظهار النعمة يعني بالضرورة الإصابة بالعين! وهذا خلل في الفهم وسوء في تطبيق تعاليم الدين، فالله تعالى أمرنا بالتوكل عليه، والأخذ بالأسباب، والتحصن بالأذكار، لا بالوسوسة والشك.

لابد على الإنسان أن يعي أن قوة الله هي الغالبة، ولا شيء غيرها. فالعين قدر، ودفع الأقدار يكون بالدعاء والتحصن – بإذن الله – مع اليقين بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. الثقة بالله والرضا بقدره، مع السعي في الأخذ بالأسباب، هو جوهر الإيمان الذي يبعث الطمأنينة في النفس، ويبعدها عن دائرة الخوف والوسوسة.