المنطق بين ديكارت وأفلاطون
في مرحلة الماجستير كانت من الصدف الجميلة أنني تعرفت على الدكتور خضر أبو قورة رحمه الله أحد كبار علماء الفكر الاجتماعي وكان بحراً من العلم وخاصة في مجال الفلسفة واستفدت منه كثيراً في مجال النظرة الفلسفية للحياة لقد كان يلقى المحاضرات ارتجالاً ولم يأتي ذلك من فراغ بل من سنوات في البحث والاطلاع والكتابة حتى وصل إلى مرحلة الاستاذية وفي أحدى المحاضرات كلفني في ورقة علمية تبحث في تعريف الفلسفة وكانت هذه أول ورقة علمية أقدمها في حياتي ومن هذا المنطلق استطعت التوجه بالقراءة في بحر الفلسفة وبشكل خاص الفلسفة الوجودية كجزء مهمة من تاريخ الفلسفة العامة ولعل هذا المجال يفتح التكملة نحو تناول الفلسفة الوجودية بين أفلاطون وديكارت وهما قطبا من أقطاب الفكر الغربي ولا يمكن قراءة الفكر الغربي بمعزل عن هؤلاء المفكرين.
لقد انطلق ديكارت من الفلسفة الوجودية كتصور عن الحياة وكان يركز على الشك المنهجي وهي محاولة للوصول إلى اليقين، وبالرغم من أن ديكارت من كبار المفكرين الغربيين لكنه فارقه الصواب في نظرية الشك المنهجي فقد أثبتت بعض الدراسات العلمية التي جاءت لاحقاً أن اليقين كمنهج فلسفي يؤدي إلى الحقيقة وهذا ما أخطاء به ديكارت حيث لا يمكن للشك أن يقود إلى حقيقة الوجود، ولكن يمكن لليقين أن يقود إلى الحقيقة، وبما أن ديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة ( أنا أفكر إذاً أنا موجود) وهذه المقولة يدحض حقيقتها علماء النفس حيث ركزت الدراسات النفسية إلى أن النوم هو غياب الوجود ويسميه البعض للاوجود إذاً كيف يُقنع ديكارت الغير في نظريته عن الوجود والتي يتبع في منهجها الشك ، لذلك يرى بعض الفلاسفة والمفكرين أن الوجود ليس ضرورياً من منطلق فلسفي لكنه ضرورياً من منطلق اليقين حتى يتحقق الوجود وهذا يتعارض مع طريقة ديكارت في الشك المنهجي.
لقد حظي ديكارت في سمعة علمية كبيرة وهذا لا يمكن أن نتجاهله ولكن الشئ الوحيد الذي يمكن تجاهله هي بعض الأفكار المطروحة في بعض مؤلفاته والتي من أهمها ( مبادئ الفلسفة ) و (تأملات في الفلسفة الأولى) لذلك قد يقول قائل كيف لك أن تنتقد أفكار مفكر عظيم مر في تاريخ البشرية ومازالت أطروحاته قائمة وتناقش في الندوات الفكرية وتدرس في بعض الجامعات فأنت أمام فكر ديكارت؟ أن الجواب على ذلك هو من بعض أطروحات ديكارت نفسه التي جاءت متناقضة مع المنطق العام لأنه يطرح فكر متأصل في الفطرة البشرية وكذلك لو أخذنا هذه الأفكار من باب المقارنة بينه وبين أفلاطون فيبقي هناك اختلاف لأن ديكارت يؤكد دائماً أن الحقيقة هي التفكير بمعنى أنه يتخيل الوجود بينما أفلاطون يرى أن الحقيقة هي الأفكار نفسها وهذا المنطق الذي يطرحه أفلاطون يتوافق مع المنطق العام، إذاً نفهم من ذلك أن ديكارت يتوهم الوجود وهو بذلك ينتهج منهج الفكر الغربي الخالص في الفلسفة لمحاولة إقناع الغير في أطروحاته الفكرية وهذا المنهج لا يمكن إقناع أصحاب الثقافات الأخرى به، بينما أفلاطون فهو أكثر واقعية في أطروحاته الفكرية حيث ينتهج تذكر الأفكار المحفوظة في النفس وهذا نهج مقبول نوعاً ما في أشياء هي موجود أصلاً، فالأفكار الواردة في العقل يمكن تحويلها إلى دليل حسي واقعي وهذا يتناقض مع الفكر الفلسفي الذي طرحه ديكارت باعتماده على الشك للوصول إلى الحقيقة.
أن تركيز ديكارت وأفلاطون على منطق فلسفة الوجود جاءت متوافقة مع الثقافة المجتمعية الدراجة في ذلك الزمن وكما قيل في علم النفس أن الإنسان حبيس بيئته.
لذلك لو استمر الزمن في ديكارت وأفلاطون ووصلوا إلى وقتنا الحالي الذي نعيش به لتغيرت بعض أطروحاتهم التي ربما سوف يدحضها الواقع الفكري والثقافي.





