فى زمن الحرب كل شىء مباح، قتل وتهجير ودماء تسفك على مذابح الطائفية والتمدد خارج الحدود الجغرافية، مؤامرات تحاك بليل، تعهدات لاتتعدي كونها حبر مسطر على ورق، تحالفات سياسية وعسكرية تتبدل وتتغير مع معطيات المعركة ومكاسبها.
في ليلة الأحد الماضي، كانت سحب دخان معارك التحرير تعلو سماء العراق، وخلف أصوات الرصاص تسلل بشكل مفاجىء “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس فى الحرس الثوري الإيراني، مع نخبة من رجاله في مهمة سرية بأربيل، زار خلالها أهالي جنود البيشمركة الذين قتلوا في المعارك ضد تنظيم “داعش” مقدما لهم الهدايا.
لم تكن الهدايا ولا زيارة ذوي الضحايا هى ما دفعت “سليماني” للمجازفة والدفع بنفسه ورجاله في قلب المخاطر، لكن البحث بعمق فى جغرافيا المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، إضافة لوضع الأكراد فى سهل نينوى، كانت أهم النقاط التي دار حولها إجتماع بالغ السرية عقده القائد التخريبي بالقادة الأمنيين الأكراد فى أربيل.
تقارير صحفية نقلت عن مصادر أمنية عراقية معلومات بالغة الدقة عن أن الاجتماع السري بين “سليماني” وقادة أربيل، قد تمخض عن اتفاقات عدة، تلغي بمقتضاها الاتفاقات التي جرى بموجبها التحالف العربي السني الكردي لحماية الجغرافيا والتمدد الإيراني مع تأجيل بحث أمر المناطق المتنازع عليها إلى ما بعد تحرير الموصل.
وتعهد سليماني للأكراد بموجب تعاهداته الجديدة، بإنهاء مسألة الأراضي المتنازع عليها مع العرب وتسليمها للأكراد كاملة بعد تحرير الموصل، على أن تكون هذه المناطق ذات أغلبية كردية وشيعية مع تواجد نسبة قليلة من العرب السنة، مقابل أن يتلقى إقليم كردستان الدعم السياسي والعسكري من إيران عبر الحكومة المركزية في بغداد.
ليس هذا فحسب، بل اتفق الطرفان على أن يتولي “سليماني” وضباطه بالحرس الثوري، وآخرين بالبشمركة، تشكيل غرفة عمليات مشتركة، على أن ينسحب الأكراد من غرفة العمليات المشتركة الكردية العربية التركية، مع وضع لواء “فاتحين طهران” أحد ألوية فيلق القدس في خدمة الاتفاق الكردي الإيراني على أن يكون الداعم الأساسي لقوات البشمركة في معركة الموصل.
الاتفاق الأخير غير كثيرا من سياسة الأكراد عسكريا وسياسيا فى الميدان، تجاه تحالفهم مع العرب والأتراك دون أن يعلنوا انسحابهم من التحالف، فسارعت قوات البيشمركة إلى استغلال الهجوم الذي شنه “داعش” على كركوك، وبدأت بعمليات هدم طالت العشرات من منازل السكان العرب في محافظة كركوك.
وبذلك يكون “سليماني” قد أبعد الحشد الشعبي أعين الإعلام بأنه هو من يقوم بعمليات القتل والتهجير للعرب السنة في المناطق العراقية.
وعلى ضوء التطورات الأخيرة، أعلنت وزارة الهجرة العراقية رسميا أمس الأربعاء عن أكبر موجة نزوح للعرب من المحافظة بسبب المضايقات والضغوط التي يتعرضون لها، فيما وكشف تقرير أمني عراقي أن قوات البيشمركة استغلت الهجوم الذي قامت به “داعش” على كركوك للقيام بعملية تهجير واسعة للعرب في المحافظة.