تميّزت منطقة القصيم بوجود عدد من المواقع التراثية القديمة التي حولها بعض الأهالي إلى متاحف خاصة أسهمت في حفظ الموروث الشعبي للمنطقة بدعم من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، كما في المتحف التراثي الكبير في محافظة الرس ” قلعة جدعية ” التي أصبحت مقصدًا لعشاق التراث بالمملكة، ومن أبرز المعالم السياحية في القصيم التي حظيت بزيارة وفود كثيرة.
وتقع محافظة الرس على مساحة 70 ألف كم2 تقريبًا مبتعدة عن العاصمة الرياض نحو 350 كيلومترًا، وهي من المناطق التي عدّت ممرًا لقوافل التجارة في الماضي ما بين شمال وشرق الجزيرة العربية، وتميزت بوجود قلعة “جدعية” التي بنيت بما يزيد على 13 ألف لبنة من الطين الخالص قبل أكثر من 10 أعوام مع مجموعة كبيرة من الصخور الصلبة لتكون أساسًا في قواعد البناء، وتتجمل بالروازن والمصابيح.
وتحتوي القلعة على مجموعة من المرافق والمباني والغرف التراثية، منها بيت الجدّة والسوق الشعبي والدور السكنية التراثية، إضافة إلى القلعة الرئيسة التي يصل فيها ارتفاع قهوة الرجال إلى أكثر من 10 أمتار، والمسجد الذي يمثّل نموذجاً للمساجد التاريخية في القصيم، وتضم قطعًا وآثارًا تحكي عادات وحياة أهل القصيم عامة والرس خاصة قبل عقود من الزمن، لاسيما ما يتعلق المهن والمعيشة والملابس وغيرها، ووثقت أركانها تاريخ المملكة وما مر بها من حروب ومواقف بطولية سطرها أبناء المملكة على مراحل تكوين الدولة السعودية من الأولى وحتى الثالثة .
ومن جانبه أفاد مستشار التراث والمتاحف رئيس المتاحف الخاصة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني المهندس سعيد عوض القحطاني أن هيئة السياحة تعطي اهتمامًا كبيرًا للمتاحف الخاصة من خلال الإستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية، وبرنامج تطوير قطاع الآثار والمتاحف، ومن ذلك متحف قلعة الجدعيّة.
وتبلغ مساحة قلعة جدعية التراثية 6250 مترًا مربعًا، وتحتوي على أكثر من 30 ألف قطعة تراثية جمعها خالد بن محمد الجدعي أحد أبناء الرس في متحف خاص شغل فكره منذ صغره كحلم راوده حتى حققه على أرض الواقع، لتصبح اليوم مقصدًا وهدفًا لكثير من الوفود والهيئات العلمية ومحبي التراث داخل المملكة وخارجها.
وأشار إلى أن القلعة مرخصة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وتضم عددًا من المرافق المتنوعة والجميلة وهي : القلعة الرئيسة وتحوي : مجلس صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، ويرتفع للأعلى لعشرة أمتار تزينها المصابيح المحيطة بها من كافة جهاتها الأربع وتملأ جنباته العديد من القطع التراثية والأسلحة بنادق نادرة.
وتضم القلعة متحفًا رئيسًا يقع وسط إطلالة على المجلس ويحوي قطعة تراثية متنوعة ونادرة، تضم أركانًا متعددة لقطع وأدوات قديمة منها : المصحف وعلومه، والمخطوطات النادرة ، و الصور، والنحاسيات والعملات ، وأدوات التعليم، والصناعات والمشغولات الحديدية، والخشبيات، والأسلحة والبنادق، والأبواب الخشبية، والملابس المقتنيات الشخصية والجلديات ، والزراعة، والألعاب، والملابس التراثية، والتقنيات وسائل الاتصال في الماضي ، وأدوات المطبخ، ولوحات ومقتنيات السيارات التراثية، والهدايا، بالإضافة إلى قسم نسائي متكامل خاص بالضيافة النسائية، وغرفة العروس ” الروشن ” ويحتوي على ملابس ومستلزمات وأدوات التجميل العروس قديماً، وبيت الجدة المطرز بنقوش ذات طابع نجدي جميل، وهو مكان التدفئة بالنار واستقبال الضيوف .
وتحتوي على المجلس الكبير الذي يتميز بأعمدة صخرية مميزة يرتكز عليها فناءه وتملأ جوانبه القطع الأثرية وتكسو أرضه عددًا من القطائف الصوفية النادرة ذات الرسومات والتشكيلات الرائعة المصنوعة يدوياً منذ عشرات السنين.
ويلفت نظر الزائر للقاعة الموقد ” المسوى ” الذي يسمّي في وقتنا الحاضر بالمطبخ، وهو نموذج لمكان الطبخ في الماضي، ويحوي العديد من الأدوات والقدور والقطع القديمة، فيما خصص مكانًا يمثل السوق الشعبي ويضم مجموعة من المحلات الشعبية التي كانت عليها حياة الآباء والأجداد بمتاجرهم الملفتة ذات المباسط الصغيرة، كما يوجد العديد من المهن والحرف التي كان يمارسها الناس بالماضي منها محل الخباز : وشيد محاكيا لخباز الزاهرية قديمًا الذي افتتح عام 1374هـ عند افتتاح المدرسة العسكرية في محافظة الرس لتلبية احتياج المدرسة وأفرادها .
ومحل النجار يشتمل على لوازم النجارة، ومحل الصانع : وهو مكان إصلاح وصناعة وتدوير ما يخص المعادن من نحاس وحديد وغيره ، ومحل الخصاف : وهي مهنة سف الخوص من أجل الاستفادة من مخلفات النخيل، و بقالة المفرق : نسبة إلى أول بقالة افتتحت في الرس بداية السبعينات الهجرية وكانت نقلة نوعية بالمعيشة بتلك الحقبة الزمنية لتنوع وجودة المعروضات، كما تحوي القلعة عددا من الدور الرائعة التي تحاكي بساطة ذلك الزمن ، علاوة على ” القبو ” الذي يقع تحت الأرض أسفل بيت الجدة نورة الشايع.
وعدت القلعة معلمًا وطنيًا مهمًا لإقامة الفعاليات في محافظة الرس التي تتواكب مع المناسبات الوطنية والاجتماعية والإنسانية، وأتاحها مالكها لاستفادة الجمعيات الخيرية، وزيارة إخوتنا من ذوي الإعاقة، ودور الأيتام.
وأوضح المهندس سعيد القحطاني أن المتاحف الخاصة من أهم المقاصد السياحية التي يزورها العديد من الباحثين والسياح في المملكة، وغيرهم من الوفود السياحية ، مشيراً إلى قلعة جدعية من أهم المواقع السياحية في منطقة القصيم بالإضافة إلى 21 متحفًا تضمها للتعريف بالتراث الوطني في المنطقة من أصل 173 متحفًا مرخصًا من السياحة حتى نهاية عام 1438هـ.
وأشار إلى أن الهيئة العامة السياحة والتراث الوطني تدعم أصحاب المتاحف من خلال عدة وسائل منها إيجاد برامج تدريبية، واستضافتهم في ملتقيات دورية، للاستماع على ما يواجههم من صعوبات والعمل على حلها من خلال التنسيق مع الشركاء في مناطق المتاحف، مبينًا أن آخر لقاء عقد في منطقة القصيم جرى قبل ستة أشهر برعاية صاحب السمو الملكي سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وافتتحه صاحب السمو الملكي فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم رئيس مجلس التنمية السياحية، وتم خلاله بحث جوانب الدعم التي ممكن تقدمها الهيئة والشركاء وأصحاب المتاحف، ويجري حاليًا تنفيذ العديد من المشروعات السياحية التي تخدم المنطقة.
وذكر أن متحف قلعة جدعية التراثية شهد زيارة أصحاب المتاحف من مختلف مناطق المملكة، ويقع في مركز متقدم من بين متاحف المملكة من حيث عدد الوفود التي تزور المنطقة من أجل الاطلاع على تراثه القديم العريق التي تقدم في تكامل تام أسهمت في جذب العديد من الزوار .
ولفت القحطاني النظر إلى أن هيئة السياحة تحرص على مساندة هذه الجهود وتباركها وتعمل على تذليل الصعاب التي تعترضها، وهناك عديد من عوامل الدعم التي سوف تقوم بها من خلال إعادة وتنظيم العروض داخل كل متحف في منطقة القصيم تتمثل في إيجاد لوحات إرشادية وتعريفية بالمتاحف، وإيجاد نظام إلكتروني يضمن تواصل أصحاب المتاحف وتسهيل إجراءاتهم مع الهيئة دون تكبد عناء السفر ، وإطلاق برنامج تدريبي لأبناء أصحاب المتاحف .
التعليقات
اترك تعليقاً