في العصر الحديث, يتجدد دائما الجدل حول العلم, وتبعات تطبيق العلم على حياتنا. فالعلم الحديث القائم على مبدأ الحتمية أي على نقيض الحرية, صار هاجسا يقلق الإنسان ويهدد مستقبل الجنس البشري على كوكب الأرض.
وفي هذا الصدد يقول عبدالله العروي في كتابه مفهوم الحرية: “وقد شهدت أمريكا مثلا في السنوات الأخيرة مناقشات حادة في الأوساط العلمية والسياسية كادت أن تمنع الباحثين من متابعة تجاربهم في ميادين معينة, كالاجتماعيات وكيمياء الأحياء, وتأثير بعض العقاقير والأشعة والتوليد الاصطناعي… لقد اعتبر المفكرون في بداية العهد الحديث أن العلم هو الوسيلة لتحرير الإنسان من قيود الطبيعة, لكن التجربة أظهرت في هذا القرن أن العلم قد يخدم الحرية كما قد يحاصرها ويقضي عليها”.
لقد عقدت شعوب العالم الآمال الكبيرة على العلم الحديث, فهو ملاذها الآمن ضد تهديدات الفقر والجوع والمرض كما يعتقدون, وهو الكفيل بتحريرها من أوهام الخرافة وتعزيز ثقتها في صراعها الأزلي ضد الطبيعة وسطوتها, ولكن بعدما أنفرد العلم بمجاله وتمكن من فرض نفسه كطريق موثوق نحو الحقيقة المطلقة كما يعتقد أنصاره, فإنه قدم إشكاليات جديدة قد تخرج عن سيطرة الإنسان في يوماً ما, وتنقلب وبالا مدمرا لحضارته.
لا أحد ينكر ما قدمه العلم من حياة رغيدة للإنسان المعاصر المتوج بتاج العلم, وما منحه من رفاهية في شتى نواحي الحياة, ولكن العلم يأخذ بقدر ما يعطي, فهو كما يعطي الأجوبة الشافية لكل ما يستغلق على الإنسان من أسرار الكون فهو ينشر أمراضه الخاصة به وأزماته الماحقة التي أحدها أزمة الاغتراب (alienation) أزمة الإنسان اللامنتمي الباحث عن حريته المفقودة في سجن الحتمية العلمية الصارمة, حتى بزغ للوجود أكبر تساؤل يؤرق عقل الإنسان المعاصر: كيف نوفق بين العلم والحرية؟
خرجت حركات مضادة للحتمية العلمية وردود أفعال ناقمة تجاه هيمنة العلم التي جردت الإنسان من أعز ما يملك (حريته), والحركة الرومنسية في القرن التاسع عشر لم تك سوى ردة فعل منافحة عن حرية الإنسان المفقودة, وقد وجدت لها امتداد في القرن العشرين مع الأدب الوجودي أو العبثي التي كانت مجرد أسلوب شجب واستنكار لما يعانيه البشر من انفصال عن ذواتهم في حياة لا ينتمون لها ويعجزون عن التآلف معها.
ويراهن بعض الفلاسفة على أن تطور العلم سيؤدي إلى تحرير الإنسان من قيود الطبيعة من خلال معرفة قوانينها وبالتالي التحكم فيها, ومن خلال رغبة الإنسان للسيطرة على الطبيعة تكونت إشكالية جديدة, وهي أن الطبيعة ذاتها أصبحت مهددة بالدمار. فهناك تطبيقات العلم الآثمة مثل اختراع الأسلحة النووية التي تعد من منتجات العلم, ومن جهة أخرى هناك تدمير الإنسان التدريجي للطبيعة في سبيل الحصول على مصادر الطاقة ومواد الخام اللازمة للتصنيع, كلها تؤدي نحو نفق مظلم ومصير مجهول قد تعيد الإنسان لحالة البربرية في يوما ما.
وتعد الحركة المعارضة الأكثر تنظيما تأتي من حماة البيئة, وما سعيهم الحثيث للحد من الاستعمال الجائر لمصادر الطبيعة إلا بسبب إدراكهم أن البيئة تعاني من الحضارة التقنية, وهذا الاستعمال الجائر سيؤدي بالفعل إلى إحداث خلل في التوازن البيئي مما يعني أن كوكب الأرض لن يكون صالحا للعيش في المستقبل.
وهذا الخوف له ما يبرره, فالبيئة الأن معرضة على الدوام للأشعة الضارة بسبب ضعف طبقة الأوزون, وتعاني التخريب المستمر من ناحية نشر الفضلات السامة أو قطع الغابات, وبدون هذا التخريب لموارد الطبيعة فإن عجلة العلم ستتوقف, فهو قائم على استغلال موارد الطبيعة, والإنسان وبعدما توصل لهذا المستوى المتقدم من العلم, وبعدما عقدت آماله على النمو الاقتصادي السريع الذي يعززه التقدم المتسارع في العلم, فإنه من الصعب عليه الرجوع للخلف حتى لو كان الضحية هو كوكب الأرض.
التعليقات
اترك تعليقاً