قال الدكتور / طارق حامد استشاري طب الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض أن ( الهيموفيليا ) أو مرض نزف الدم ” مرض وراثي ” ، وأن الأدوية الخاصة بعلاج هذا المرض فعالة جداً ، وحدد الدكتور طارق حامد في حواره طبيعة هذا المرض وأسبابه وكيفية العلاج وفيما يلي نص الحوار : في البداية قلنا له
* ماهي الهيموفيليا ( مرض نزف الدم ) ؟!
– كلمه الهيموفيليا اشتقت من كلمتين يونانيتين هما haima ومعناها الدم وكلمه philia ومعناها الحب ودم الشخص المصاب بمرض الهيموفيليا لايتخثر بشكل طبيعي مما يجعله ينزف لمدة أطول.
وتسمى عملية نزول الدم (بالنزيف).
* كيف يتخثر الدم في الوضع الطبيعي؟
– ينتقل الدم في أنحاء الجسم داخل شبكة من الأوعية الدموية بطريقه انسيابيه دون أن يحدث نزف أو تخثر داخل الأوعية الدمويه.وهذه الانسيابيه فى الحركه هى محصلة وجود جدار منتظم وسليم للآوعية الدموية ووجود عدد كاف وسليم من الصفائح الدموية ووجود مايسمى بعوامل التجلط وعوامل تزويب الجلطه .
أن الجلطة أو التخثر هي عملية معقدة تجعل من الممكن إيقاف نزف الأوعية الدموية المجروحة وحالما تجرح جدران الأوعية الدموية تعمل البروتينات معا لتكوين جلطة تشكل سدادة للجرح وهناك عدة خطوات أو مراحل تساهم في تكوين هذه السدادة في مكان الإصابة.
المرحلة الأولى : تتقلص الأوعية الدموية لتبطئ تدفق الدم للمنطقة المجروحة. وهذا يدعى( انقباض الأوعية) المرحلة الثانية : الصفائح الدموية ، وهي عبارة عن قطع صغيرة جدا من الخلايا تكون أول من يصل إلى مكان الإصابة حيث تلعب الصفائح دورا هاما في عملية وقف النزيف عن طريق تجمعها معا وبذلك يبدأ إصلاح وعلاج الأوعية الدموية المجروحة. وهذا يدعى (التصاق الصفائح).
ثم تبعث هذه الصفائح إشارات كيميائية تدعو فيها الصفائح الدموية الأخرى وعوامل التخثر لمساعدتها وتتجمع الصفائح معا في مكان الجرح وتشكل سدادة ، وهذه العملية تسمى( تجمع أو تكدس الصفائح) .
المرحلة الثالثة : يشكل سطح هذه الصفائح المنشطة مكانا ملائما لحدوث الجلطة حيث تتحد مع عوامل التخثر الموجوده في تيار الدم لتكوين سلسلة تسمى الفيبرين حيث تنتظم حزم الفيبرين معا لنسج شبكة حول الصفائح الدموية وهذا يمنع الصفائح الدموية من الإنزلاق والعودة في تيار الدم. وهذه البروتينات أو العوامل 1، 2، 5، 7،8، 9، 10،11، 13 تعمل مثل قطع الدومينو في تفاعل متسلسل وهذه العملية تسمى حاجز التخثر.
المرحلة الرابعة: تقوم عوامل إذابة التجلط بما يمكن تسميته( سنفره) الجلطه من الداخل حتى تعود الأوعية الدموية إلى درجه ملساء تساعد على انسيابيه الدم المعهوده .
* ما هي مشكلة التخثر في حالة الإصابة بمرض الهيموفيليا ؟
– عندما يُفقَد أحد البروتينات (على سبيل المثال عامل 8 ) فإن سلسلة التفاعل تنقطع ولا يحدث التخثر، أو يحدث بصورة أبطأ بكثير من الوضع الطبيعي. والصفائح الدموية في مكان الجرح لا تتشابك في مكان الإصابة لتكوين جلطة دموية دائمة ، وتكون الجلطة لينة حيث تسهل إزاحتها من مكانها ، وبدون علاج يمكن أن يستمر النزيف لعدة أيام وأحيانا عدة أسابيع ويتكرر عادة حدوث النزيف.
* تاريخ مرض الهيموفيليا ؟
– عرف مرض الهيموفيليا في الأزمنة القديمة مع أنه لم تطلق عليه أي تسمية ونجد أن الطبيب العربي البخاري أبو القاسم والذي عاش في القرن الثاني عشر فى قرطبه كتب عن عائلة يموت أبناؤها الذكور بسبب النزيف من جروح بسيطة فى عام 1107.
في سنة 1803، كتب طبيب من فيلادلفيا يدعى جون كنارد أوتو مقالة عن “ميل للنزيف يوجد في عائلات معينة”. وقد أدرك أن الحالة كانت وراثية وتؤثر على الذكور فقط.
وقد ظهرت كلمة “هيموفيليا” أول مرة في وصف هذا المرض سنة 1828م حيث كتبها عالم يدعى هوبف في جامعة زيورخ.
ولعل أشهر من أصابهم هذا المرض هم بعض أفراد العائلات الملكية البريطانية وعلى وجه التحديد سلالة الملكة فيكتوريا عام 1853م حينما أنجبت أبنها الثامن “ليوبولد” متأثراً بهذا المرض. وقد اتضح فيما بعد أن اثنتين من بنات الملكة كانتا حاملتين لمرض الهيموفيليا .
* ما الذي يسبب مرض الهيموفيليا ؟
– إن مرض الهيموفيليا هو مرض وراثي وهذا يعني أن هناك جينات لا تعمل بشكل طبيعي هي التي تسبب هذا المرض.ومن المعروف أن الجين الوراثى للمرض يوجد على الكروموسوم X وهذا الجين هو المسؤل عن تصنيع عامل التجلط .
ولذلك فإن الذكور XY تظهر عليهم أعراض المرض أما الإناث X X فهن حاملات للمرض .
وهناك 3 صور لظهور المرض فى عائله ما :
1- أن يكون مرض الهيموفيليا موجود في العائلة لعدة أجيال ، حيث تحمله الإناث ويورثهن للذكور.
2- قد تحدث طفرة جينية عند حدوث الحمل فى الأنثى ، وفى هذه الحالة فالأنثى الحامل هي الشخص الأول الذي يحمل المرض في العائلة وربما يحملن بناتها المرض أيضا بعد ذلك وربما يصاب أبناءها بهذا المرض.
3- ربما تكون الطفرة الجينيه التي تسبب الهيموفيليا قد وقعت عند حدوث الحمل بأحد الأولاد. وفي هذه الحالة فإن الطفرة قد حدثت في بويضة الأم وانتقلت إليه، وبالتالي فإن الأم في هذه الحالة ليست حاملة للمرض.
* من الذي يصاب بمرض الهيموفيليا ؟
إن مرض الهيموفيليا يصيب الناس من كل الجنسيات والألوان والأصول العرقية حول العالم.
ومعظم أشكال الهيموفيليا الشديدة تصيب الذكور فقط ، أما إصابة الإناث بالنوع الشديد من المرض فإنها تحدث فقط إذا كان الأب مصاباً بهذا المرض والأم حاملة له وهذا شيء نادر الحدوث. ومع ذلك ، فإن العديد من النساء الحاملات لهذا المرض تظهر عليهن أعراض طفيفة لمرض الهيموفيليا، ونحن الآن نعرف تماماً أن حاملات المرض يمكن أن يصبن بمشاكل النزيف وهذا يمكن أن يؤثر على نوعية حياتهن.
* أعراض مرض الهيموفيليا ؟
– تظهر أعراض الهيموفيليا الشديدة منذ السنة الأولى في حياة الشخص المصاب فمثلا قد يحدث النزف عند الطهارة ولذلك يجب إجراء بعض الإختبارات قبل عمليه الطهارة .
و بمجرد أن يبدأ الطفل بالحركة تظهر علامات النزف في المفاصل وخاصة مفصل الركبة . وقد تسبب ألماً شديداً ، وفي كثير من الأحيان يحدث ضرر في المفصل مما يزيد من احتمالية حدوث إعاقة دائمة أو تشوه في المفصل والحركة.
و في بعض الحالات النادرة يمكن أن يحدث النزيف كذلك في الأنسجة الداخلية أو العضلات أو القناة الهضمية الأمر الذي يعرض حياة المصاب للخطر، أما النزيف الدماغي فهو حالة طارئة جداً تهدد حياة المصاب بالخطر الشديد.
وعند المصابين بالهيموفيليا، فإن أية إصابة صغيرة ، أو خلع الأسنان، أو أي إجراء جراحي بسيط أو جراحة كبرى ، هو أمر يعرض المصاب إلى احتمالية حدوث نزف لا يمكن إيقافه إن لم تتخذ الإجراءات اللازمة قبل التعرض لمثل هذه الحالات.
* هل هناك درجات للإصابة بمرض الهيموفيليا ؟
– من المعروف أن نشاط عامل التخثر لدى الشخص الطبيعي يعتبر 100% ويتراوح ما بين 50% 150% .
أما مريض الهيموفيليا فيمكن تقسيم درجة الإصابة بالمرض إلى 3 أنواع من ناحية الخطورة
شديده – متوسطه — بسيطه
فالمرضى المصابون بالهيموفيليا الشديدة يكون لديهم مستوى عامل 8 أو عامل 9 أقل من 1% من المستوى الطبيعي في الدم ، وبدون علاج وقائي يمكن أن يصابوا بالنزف عدة مرات في الشهر، وليس هناك سبب واضح للنزيف ، وهذا يدعى النزيف التلقائي.
والمصابون بالهيموفيليا متوسطة الدرجة عادة ينزفون بدرجة أقل في معظم الأحوال وهذا النزف يتكرر بسبب الإصابة برضة غير خطيرة مثل جروح الرياضة ، ومع ذلك فبعض المصابين بالهيموفيليا متوسطة الدرجة خصوصا أولئك الذين لديهم مستوى عامل 9 أو عامل 8 حوالي 2% أو أقل يمكن أن يتكرر عندهم نزف الدم العفوي وبنفس الطريقة التي تحدث عند الأشخاص المصابين بمرض الهيموفيليا الشديدة.
أما الأشخاص المصابين بالهيموفيليا البسيطة فإنهم يصابون أيضا بالنزيف ولكن بدرجة أقل بكثير، وربما يدركون وجود مشكلة النزيف فقط في حالة إجراء جراحة أو خلع سن أو إصابة خطيرة. والخطر بالنسبة للمرضى المصابين بالهيموفيليا البسيطة يتمثل في أنهم يصابون بحالات نزيف قليلة جدا وبالتالي فهم عادة لا يعرفون ماذا يفعلون عندما يحدث النزيف ، والنساء الحاملات لهذا المرض ربما ينزفن أكثر خلال الدورة الشهرية .
أنواع الهيموفيليا
هيموفيليا A:
وهو مرض يصيب الرجال فقط. ويمكن أن يورثه الرجل لبناته الإناث ولكن كحاملات للمرض، والإناث الحاملات للمرض يمكن أن ينقلنه وراثياً لأبنائهن الذكور، ونسبة إصابة الأبناء الذكور بهذا المرض هي 50% ، أما الإناث فنسبة كونهن حاملات ( ناقلات) للمرض هي 50%.
هيموفيليا B:
وهو يورث بنفس الطريقة السابقة كما في نوع A ، لكن نسبة انتشاره أقل من هيموفيليا A إذ أن نسبة انتشار هيموفيليا A هي خمسة أضعاف نسبة انتشار هيموفيليا B . وبالنسبة للأعراض فهي متشابهة في النوعين ولا يمكن التمييز بينهما إلا من خلال إجراء فحص مخبري للدم لمعرفة العامل الذي حدث فيه النقص. وتسمى هيموفيليا B أحياناً بمرض كريسماسhristmas disease ) ) نسبة إلى السيد كريسماس ، أول مصاب تم تشخيصه بهذا المرض.
* وماذا عن مرضى الهيموفيليا والمثبطات ؟
ويقصد بالمثبطات الأجسام المضادة المعادلة التي تتكون في جسم المصاب بالهيموفيليا بعد تلقي العلاج التعويضي بعامل التخثر المفقود أو الناقص . أما نسبة تكون هذه المثبطات (و التي تؤثر سلباً على العلاج) لدى المصابين بالهيموفيليا A هي تقريبا 10-30% و3-5% لدى مرضى هيموفيليا B. وتتكون معظم هذه المثبطات عادة في الجسم قبل سن العشرين. وتصعب معالجة الأشخاص الذين تكونت لديهم هذه المثبطات. ويمكن التنبؤ بوجود هذه المثبطات عندما يفشل برنامج العلاج التعويضي، إذ تظهر علامات عدم الاستجابة للعلاج. ويمكن معرفة مستوى تعداد هذه الأجسام المضادة في الجسم من خلال إجراء فحص خاص يقيس عددها .
* الهيموفيليا المكتسبة:
ويحدث هذا النوع من الهيموفيليا بسبب التكون التلقائي لأجسام مضادة ( مثبطات) لعوامل التخثر رقم “9” أو “8” أما السبب في حدوث هذا النوع من المرض إما أن يكون غير معروف على وجه التحديد ، أو نتيجة للتقدم في العمر، أو الحمل، أو أمرض المناعة الذاتية، أو السرطان. وعادة ما يكتشف هذا النوع من الهيموفيليا عند حدوث حالة نزف شديدة تستدعي المعالجة الطارئة، وغالباً ما يصعب معالجتها حتى مع استعمال كميات كبيرة من عوامل التخثر التعويضية.
* وهل هناك علاج فعال ؟
– نعم ، ولله الحمد ، يوجد علاج فعال، والأدويه الحالية لهيموفيليا- أ و هيموفيليا- ب فعالة جدا ، وأساس العلاج لهذا المرض هو استخدام عامل التخثر المركز حيث يتضمن هذا العلاج إدخال عامل التخثر المفقود إلى الدم عند الأطفال المصابين بهذا المرض، وهي طريقة آمنة وفعالة لإيقاف النزيف ، وحتى هذا العلاج يمكن أن يستعمل كطريقة وقائية لمنع النزيف من الحدوث كليا.
* وما خطوات العلاج ؟
-أولا: معالجة النزيف — وهذه تعتمد على مكان النزيف، كمية النزيف ومدة النزيف وشدة الهيموفيليا. بالنسبة لنزيف الفم تستعمل أدوية سايكلوكابرن، ينصح بها بعد أو بدلا من المعالجة بمركز عامل الهيموفيليا، هذه المعالجة تتبع بطعام لين ومثلجات. أما إذا كان النزف بسبب جرح، نزف داخلي، أو نزف المفصل فالخطوة الأولي هي وقف النزيف بتطبيق العلاج الأولي المعياري، مثل تطبيق الرباط، الضغط، وأكياس الثلج، وبعدها إعطاء إبرة العامل، حيث يجب وقف النزيف بالسرعة الممكنة عن طريق إعطاء عامل تخثر وتثبيت المنطقة المصابة.
والنوع الأكثر شيوعا ويتطلب علاجا فوريا للغاية هو نزف المفصل، حيث يمكن أن يظهر كنزيف تلقائي، أو نتيجة جرح أو رضه تؤثر على المفصل. عندما يكون هناك نزيف داخل المفصل، الدم النازف من بطانة المفصل يتجمع في فراغ المفصل، عندها يلتهب المفصل، وبعدها تفرز بطانة المفصل إنزيمات تصب في فراغ المفصل لتهضم وتزيل الدم، لكن هذه الإنزيمات لا تتوقف مع زوال الدم. ومع كل نزيف غير معالج، تستمر الإنزيمات في هضم حواف غضروف المفصل وفي النهاية عظم المفصل. نتيجة لذلك إذا لم يعالج المفصل يمكن أن يؤدي إلى تدمير تدريجي للمفصل. وهذا ما يحصل في أغلب الأحيان.
ثانيا: تفعيل مركز العناية الشاملة — فمراكز العناية الشاملة والمختصة ومع طواقمهم الصحية المتعددة الجوانب تزود خدمات تتراوح من عناية جسدية إلى نفسية، من عناية سنية إلى عناية عظمية وعناية طبية عامة. والعناية الكاملة والشاملة لمريض الهيموفيليا تساعد العائلة على معرفة تشكيله واسعة من المواضيع التي تتضمن الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تواجه عائلات الهيموفيليا، كما تزود معلومات عن مرض الهيموفيليا واقتراحات للحد من 1إضطراباتة مع الحياة العادية.
ثالثا: استخدام عامل التخثر الغير مشتق من الدم أو البلازما . فإنتاج العامل الثامن تصنع عن طريق تقنية الأبحاث الجينية، وهذه الطريقة قد ألغت مشاكل انتشار الفيروسات من جسم الإنسان المتبرع إلى المريض. فبإمكان هذا العامل رفع مستوى مادة التخثر في دم المريض فورا ولتستمر على هذا النحو من 8 – 12 ساعة منذ أخذ إبرة العامل. ويمكن أخذ هذا العامل عند الشعور بالحاجة إليه ، ولكن يستحسن أخذه يوم بعد آخر للوقاية من أي نزيف عندما يكون العامل متوفراً
التعليقات
اترك تعليقاً