لا تحتاج الى وقت طويل لتبدأ بتغيير الصورة النمطية التي يتعمد الاعلام العالمي تقديمها عن دولة بحجم العربية السعودية ولتكتشف انك تخضع الى عملية تضليل واسعة للكثير من القضايا والشأن المحلي والاقليمي والعالمي السعودي ؛ ايام معدودات كزيارة خاطفة للشقيقة السعودية كانت كفيلة باعادة رسم الصورة الذهنية القابعة في اللاوعي عن هذه الدولة الكبيرة بكل المقاييس والبدء بمراجعات موضوعية لكل ما يشاع او يتردد على لسان العامة ليتبدد كل ذلك الوهم في لحظة الحقيقة والوعي والاشتباك المباشر والفعلي مع الشعب السعودي ومؤسساته ..

الشعب السعودي الشقيق يقترب من منعطفاتنا الأردنية كثيرا كحالة عروبية تتجسد فيها قيم النخوة والشهامة والكرم وثوابت الأمة مثل الموقف من القضية الفلسطينية أما مقدار ثقتهم بالأردني واحترامهم له فهي عميقة جدا وكبيرة جدا تجعلك تحسب تصرفاتك بدقة لتعطي افضل انطباع ممكن عن القيم والهوية والشعب الاردني اما على المستوى الرسمي فقد كان لي شرف لقاء وزير الاعلام السعودي كأحد اعضاء الوفد الاردني الذي ضم مجموعة من رموز وفرسان اعلامنا وبالرغم من مرجعية وزير الاعلام السعودي الدبلوماسية لكننا في اللقاء معه تعمدنا كسر الجليد والحديث بشكل اخوي بعيدا عن البروتوكولات فكان صاحب استقبال دافيء اما الاهم فهو رأيه الوازن والحصيف حول تكامل مفاهيم الامن القومي السعودي مع الامن القومي الاردني والخلاصة هنا ان الاردن تعني للسعودية الكثير لا بل الكثير جدا ..

انهم يدرسون الفلسفة !! نعم يا سادتي الكرام السعودية بدأت في مناهجها بوضع خطة لتدريس مادة الفلسفة والتي ينظر اليها البعض حتى لدينا في الاردن بأنها هرطقة دينية وكذلك بدأوا بتدريس مادة القانون في المدارس ويتعاطون مع هذا التوجه كقضية وطنية ومصلحة عليا استراتيجية للدولة بمعنى صناعة الجيل وتغيير انماط التفكير التفاعلية وبناء العقلية البرهانية العلمية وبمعنى أدق صناعة المستقبل ..

احصائيات متنوعة ودراسات دقيقة عن الاقتصاد وما يمكن للسلطات صاحبة الاختصاص تقديمه للمشاريع الناشئة وثورة تكنولوجية ورقمية وموازنة ترليونية للدولة تضع السعودية على الطريق الصحيح في التنافسية العالمية وكدولة مصنفة من العشرين الكبار والدولة العربية الوحيدة في هذا المجال يدرك المخطط الاستراتيجي انه لا يمكن التعويل على النفط للصدارة العالمية وعليه فلا عجب ان نجد اكثر من مئة الف منشئة صناعية ما بين متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة وكبيرة وكبيرة جدا لكن ذلك يبدو جزءا من حلقة كبيرة في سلسلة الاقتصاد الخدمي والمعرفي والتكنولوجي والمالي والزراعي والتجاري والمقاولات والقطاعات الاخرى ..

الشعب السعودي ودود جدا غالبيته من الفئة الشابة التي تدعم خطط وتوجهات الانفتاح والتطوير ورؤية المستقبل التي يقودها لديهم ولي العهد الشاب وهو جيل لديه طموح كبير وفهم عميق وانتماء لدولته والتفاف وطني حول رايته وهو يقترب كثيرا من الثقافة الاردنية في الاحترام والفزعة وايضا العشق الوطني لكنه في نفس الوقت يشعر بقلق كبير ومظلومية حول استهداف وطنه المتكرر وفي اكثر من موضع لا سيما في قضية خاشقجي والتي يرى انها تجاوزت حدود المعقول في حرفها من قضية جنائية الى سياسية تستهدف مستقبل الدولة ورؤيتها وعلى الهامش نقول اننا تحدثنا مع الرسميين واشتبكنا مباشرة مع الناس العاديين ايضا وجميعهم يستنكر الجريمة البشعة التي تعرض لها الخاشقجي ويؤكدون على ضرورة القصاص من الجناة لكن هنالك قناعة راسخة بان هذه القضية يراد بتوظيفها ضرب مستقبل الدولة ..

حتى عهد قريب كنت اعتقد ان المجتمع السعودي هو مجتمع متعصب وهذا وصف غير دقيق لأنه في حقيقته مجتمع متدين بالفطرة وأبعد ما يكون عن التطرف الذي يحاول الاعلام العالمي الصاقه بالمجتمع السعودي لأسباب باتت مكشوفة فشباب اليوم هم جيل مثقف واعي منتمي لدينه وعروبته ووطنه وكل من حاورتهم او جلست معهم من الشباب السعودي تحدثوا باستفاضة ومرارة عن الهجمة التي يتعرض لها وطنهم ومحاولات تشويه صورته الا انهم بالتأكيد يقدمون افكار نوعية ورؤى للمستقبل بشكل واثق وافق رحب وكان لدينا حديث عن القضايا الاجتماعية والتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي من جوانب كنا نعتقد انها عظيمة او مهمة للسعوديين مثل قيادة المرأة للسيارة او فتح دور السينما لنجد انها تقع على الهامش في سلم متدني من الاهتمامات باعتبارها ( خطوة جيدة لكنها متاخرة ) ويطالبون بالمزيد من التقدم والانفتاح المجتمعي وتمكين المرأة ( اخوات الرجال ) وفق وصف احدهم وكم كانت صدمتي كبيرة عندما استمعنا للموسيقى ووجدت السعوديات يعملن الى جانب الشباب السعودي في الفندق الذي اقمنا به مما يجبرك على مراجعات عميقة للصورة الذهنية عن هذا المجتمع الفتي الذي يضج بالحياة وعينه على المستقبل ..

اهتمام كبير في البيئة ومظاهر العمران الدالة على مظاهر الحضارة والتزام راقي بالقوانين وانضباط ودقة كبيرة والكثير الكثير مما يمكن الحديث عنه مما يذهل الانسان وبالطبع لا يمكن عند المرور على السعودية وطنا وامة الا ان نتوقف باجلال على ما تجسده من مكانة دينية كبرى في مكة المكرمة والمدينة المنورة اما مظاهر الامن والاستقرار فهي حاضرة في المدينة التي تعمدنا ان نتنقل فيها ونقوم بعمليات الاشتباك الشعبي بعيدا عن الرسمي لنكتشف بأنفسنا هذه الحقائق ولنجد ايضا ان الماجدات السعوديات اللواتي يقدن السيارات اصبحن يتعاطين التجارة .. في الاسواق ما أن تسمع نداء ( الله اكبر ) حتى يبادر غالبية الناس الى التوجه طوعا الى بيوت الله للصلاة وقد كنت ابحث في تلك اللحظات عن ( المطوعين ) فلم اجد منهم احدا يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ..

الصورة النمطية المرسومة في اذهاننا من خلال الاعلام عن السعودية بشعبها ومؤسساتها وحالتها الوجودية غير حقيقية ووهمية وزائفة وعمليات الهجوم الاعلامي التي تتعرض لها تهدف الى التأثير على الانطلاقة النوعية والنهضة الكبيرة التي تعيشها اليوم من اجل المستقبل وهي كدولة عمق استراتيجي وحالة رمزية للأمة يمكن التعويل عليها عند الشدائد واعتقد ان اختيار الرياض عاصمة للاعلام العربي بمثابة فرصة لمزيد من الانفتاح نحو الاشقاء والعالم يمكن من خلالها المساهمة بفعالية في رسم الصورة الحقيقية للشقيقة الكبرى ..