تُعد رحلة ابن بطوطة لجرز المالديف من أقدم الأوصاف والرحلات المدونة عنها.. وكانت تمسى جزائر ذيبة المهل ويصفها ابن بطوطة أنها إحدى عجائب الدنيا وهي نحو ألفي جزيرة، وأهل تلك الجزر أهل خير وصلاح وديانة كانوا كثيراً ما يقولون لبعضهم: الله ربي ومحمد نبي، ولا يأكلون إلا أكلاً حلالاً وكانت أبدانهم ضعيغة ودعاؤهم مجاب؛ لهذا كان لصوص الهند لا يدنون من جزرهم لأنهم كلما جربوا أخذ شيء منهم أصابتهم مصيبة عاجلة!

والغريب حقيقة هو قصة دخول أهل تلك الجزر كلها للإسلام.. فقد روى ابن بطوطة أن الثقات من هذه الجزيرة كالفقيه عيسى اليمني وقاضيها عبد الله قد أخبروه أن سكان هذه الجزيرة قديماً كانوا كفاراً، وكان يظهر لهم كل شهر عفريت من الجن يأتي ناحية البحر بمركب مملوء والقناديل فكانوا إذا رأوه خافوا وفزعوا وعمدوا إلى إحدى بنات القرية ووضعوها في بيت أصنام لهم على ضفة البحر وتركوها تلك الليلة هناك، ثم يأتوا في صباح الغد فيجدوها ميتة مقتولة؟! وكانوا كلما رأوا في كل شهر ذلك المركب المخيف اقترعوا بينهم فمن أصابته القرعة وضع ابنته للعفريت في بيت الأصنام؟!

حتى جاء ذلك اليوم الذي قدم عليهم مغربي يُسمى أبو البركات البربري وكان قد نزل بدار عجوز عندهم فسمع صياحها في الليل فسأل عن الأمر فأخبروه بقصة العفريت وأن القرعة جاءت على ابنة العجوز، فقال أبو البركات أنا أذهب عوضاً عنها.. فقام ودخل إلى بيت الأصنام وبدأ يتلو القرآن حتى اقترب المركب منه ثم رجع واختفى.. فجاء أهل الجزيرة في الصباح فطاروا من فرحهم حين رأوا أبو البركات سليماً معافى، فأخذوه لملكهم ويُدعى شنورازة ليسمع قصته ويعرف خبره وكيف تخلص من العفريت.

فبعد أن رأى أبو البركات الترحيب وحسن الضيافة من قبل الملك دعاه للإسلام وبين له أن هذا العفريت وغيره لن يجرؤ على كلام الله سبحانه، فقال الملك على شرط أن تبقى شهراً آخر فإن ظهر العفريت ونجيت منه مرة أخرى دخلت الإسلام.. وفعلاً بقى أبو البركات شهراً وجاء المركب ودخل بيت الأصنام وتلا القرآن فاختفى المركب.. فدخل الملك وأهل تلك الجزر كلها الإسلام وكسروا الأصنام وعمروا المساجد في كل جزرهم.. حتى إن ابن بطوطة دخل جامعاً مسمى باسم أبي البركات ومنقوش على مقصورة الجامع “أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي”

وأياً كان حقيقة هذا المركب أو أياً كان ما رأوه إلا أن تلك الحكاية بذاتها كانت سبباً في إسلام كل تلك الجزر في المالديف.. وسبحان من إذا أراد امراً هيأ أسبابه وسبحان من له في كل أمر لطف خفي.