في حياة كل منا أربعة أمور هامة تحدد مسارنا وهي الأمان (نقصد به إحساسك بقيمتك وهويتك)، القوة (طاقتك المحركة لتصرفاتك)، الحكمة (نظرتك للحياة)، الإرشاد (معاييرك ومرجعيتك) ، فحياتنا تتمحور حولها وهذه الأربعة مرتبطة ببعضها ويتفق معظم البشر كأفراد وكأمم بتأثيرها.

ولكن ماذا لو عرفت أن ثمة أمور أخرى تؤثر في حياتك وتسيطر عليك وتتحكم في معظم تصرفاتك دون أن تدرك ذلك ، وقد تفقد بسببها أمانك وقوتك وحكمتك ورؤيتك المرشدة لسلوكك؟ وبعضها جيد وضروري في الحياة ، ولكن سنقصر الحديث فيها عن تلك التي تخرجها (المبالغة في التمحور حولها) عن مسارها ، أول هذه الأمور تأثيراً في حياتنا هو التمحور حول شريك الحياة ، ونقصد به الاعتماد المبالغ فيه على الطرف الآخر ، وإلاّ فالعلاقات الحميمية مطلوبة وهي مصدر أمان إن كانت بشكلها الصحيح الذي يتفق عليه الكل ، وإذا وضعت التمحور حول الشريك على محك الأمور التي ذكرتها في بداية مقالتي فتجد أن (الآمان) في مثل هذه النوعية من العلاقات قد يكون متأرجحاً بحسب صفاء العلاقة ، وتضيع (الحكمة) و(القوة) نتيجة الخلافات ، و(الإرشاد) في هذه الحالة يكون على أساس العواطف اللحظية فقط . وفي كل أمر من الأمور البديلة التالية بإمكانك أن تعرضه على محك الأمور الأربعة الأساسية (الأمان ، الحكمة ، القوة ، الإرشاد) لتعرف الخلل الواضح في كل أمر بديل في حياتك يأخذ مساراً خاطئاً.

الثاني هو التمحور حول الأسرة فبعض الرجال أو النساء يكرس معظم اهتماماته للأسرة والعائلة الكبيرة ، ويطغى ذلك على بقية العلاقات الإنسانية الأخرى ، فيمكن أن تتجاهل الزوجة حقوق زوجها من أجل أهلها ، ويمكن أن يضرب الشاب بعرض الحائط بتعاليم الدين من أجل عادات وتقاليد العائلة ، وهكذا تضيع الحكمة والإرشاد ، ولا قوة أو أمان حينئذ إلا بوجود الأسرة وعاداتها وتقاليدها فقط . أما الثالث فهو التمحور حول المال ولا شك أن الأمان الاقتصادي مطلب هام وأساسي ونعم المال الصالح بيد العبد الصالح ولكن (عبيد المال) يهمشون أسرهم في الغالب وأولوياتهم الأخرى ، ولعل هذا الواقع لا يحتاج إلى مزيد من الأمثلة ؛ فمؤشر السعادة عند هؤلاء مرتبط بمؤشر الأرباح في أرصدتهم .

الرابع هو التمحور حول العمل ، ومدمنو العمل تبرز هويتهم الحقيقة من خلال عملهم فتجدهم يرددون (أنا طبيب ، أنا كاتب ، أنا مهندس) ، فقيمتهم الذاتية تدور في فلك العمل ، وسعادتهم وتعاستهم مرتبطة غالياً بإنجازات العمل على حساب الإنجازات الأخرى ، الخامس هو التمحور حول التملك ليس للأشياء المحسوسة فقط بل للمعنوية أيضاً كالشهرة والوجاهة الاجتماعية والمجد ، وهذا الشعور يتلاشى سريعاً دون أن يدرك أصحابه ذلك لأنك في كل مرة تجد من هو أكثر منك شهرة وجاهاً ومالاً ، كم من مشهور وغني انتحر بعد انحسار الأضواء عنه ؟

والتمحور حول السعادة هو السادس ، والسعادة أحد حلفاء التملك ، والسعادة البريئة والمعتدلة والاستقرار النفسي بلا شك تساعد البدن والعقل على الاسترخاء ، ولكن المبالغة في طلبها تحوله إلى إنسان يلهث وراءها دون اكتفاء بل ويصاب بالملل ، وقد يتحول إلى إنسان نرجسي يفسر الحياة من منظور السعادة التي يحصل عليها ، فقد يلغي زيارة الأقارب التي تفرضها صلة الرحم بحجة أن جوهم ممل. أما السابع فهو التمحور حول الصديق أو العدو ، ويكثر عند الشباب من الجنسين فكرة الانتماء للأقران بدرجة كبيرة تطغى على الانتماءات الأخرى ، والتمحور على العدو (الخصم) أيضاً هو أمر شائع ويصبح محور اهتمامك وتعتمد ردّات فعلك على سلوك عدوك الذي يسيطر على تفكيرك وتتمحور حياتك على مراقبة ماذا يقول ويفعل .

والثامن هو التمحور حول الذات (الأنانية والنرجسية) ، أما المحور التاسع والأخير فهو التمحور حول الدين أو دور العبادة كما يسميها الغرب ، وهذا في عرفنا الديني أمر واجب وشيء رائع لأن ديننا حوى كل الفضائل ، ولكن قد تجد مؤلفاً غربياً مثل (ستيفن كوفي) في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فعالية يرى أن التمحور حول دور العبادة أمر يفتقد للحكمة والقوة إذا تم تطبيقها بشكل خاطئ لأنها ليست غاية بذاتها ، والأمر طبعاً ينسحب على كل الأديان فمما لا شك فيه أن الفهم الخاطئ للدين ينتج عنه تطبيق خاطئ في النهاية وهذا ما نقصده هنا.

ويبقى السؤال المهم كيف أتعرف إلى محوري الشخصي من هذه الأمور التسعة؟
في الغالب يكون محور الإنسان مزيجاً من عدة محاور ، ومن السهولة إدراك محاور الآخرين ولكن من الصعوبة إدراك محورك الشخصي لأن انتقال الإنسان من محور لآخر أمر وارد . والتصرف المثالي هو أن تضع لنفسك محوراً واحداً يكون مصدراً للأمن والإرشاد والحكمة والقوة .

ونأتي للسؤال الأهم كيف أتصرف لكي لا أخسر(الحكمة والقوة والإرشاد والأمان) ؟
الحل الجذري هو الانحياز للمبادئ الصحيحة ، ونحن ــ المسلمين ــ نجدها في ديننا، لأن مبادئه صحيحة لا تتغير ومنها نستمد أمننا وقوتنا ورؤيتنا للحياة ، وقد شهد التاريخ انتصار المبادئ الصحيحة منذ آلاف السنين ، تخيّل لو وعدت أسرتك برحلة في نهاية الأسبوع وفجأة هاتفك مديرك في العمل وأخبرك أن هناك تكليف لك بعمل خارج دوام بأجر ، هل ستعتذر أم تؤجل الرحلة؟

إجابتك ومبرراتك تحدد محورك .