أدى المسلمون صباح اليوم الثلاثاء، في المسجد الحرام صلاة عيد الأضحى المبارك يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة و سمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز وعدد من أصحاب السمو الأمراء وسط أجواء روحانية وإيمانية.
وأمّ المصلين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة ، حيث حمد الله تعالى وأوصى المسلمين بتقوى الله ، عزوجل فبها أمر اللهُ ووصَّى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن وإلا أنتم مسلمون).
وقال فضيلته في خطبة العيد التي القاها اليوم بالمسجد الحرام حُجَّاجَ بيتِ اللهِ الحرام: مَن مِثلُكم ومَن نظيرُكم؟ إنكم في أطهر البِقاع وأزكاها، وأبرَكِ الرِّباع وأسْناها (إن أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين*فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حِج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
وأضاف هذا حرمُ الله المطهَّر، وهذا بيتُهُ العتيقُ المُسَتَّر، وَجَّهَ اللهُ إليه الوُجُوه، وفَرَضَ على عباده أن يحجُّوه، نظرت إليه المساجدُ في كل خَمْس، وقامت إليه قيامَ الحِرباءِ للشمس لم تَسحِب الدنيا عليه غُرورَها، ولم تَجُرَّ إليه النفوسُ شُرورَها، ولا ألْقَتِ الحياةُ فيه أوزارَها وزُورَها رَفَعَ إبراهيمُ عليه السلامُ رُكنَ بَنِيَّتِه، ونَصَب في أعطافِه لله أعلامَ وَحدانيتِه، وخَفَض آمادَ الشركِ وأرجاسَ وثنيتِه التوحيدُ مظهرُه ومَنارُه، والنبيُّون والأخيارُ بُناتُه وعُمَّارُه، والله عزوجل ربُّه وجارُه حازَ اللهُ له من نَبَاهة الذِّكْر، وفَخامة القَدر، ما لم يُحِزْ لطارفٍ من معالم الحق ولا تَليد، بِرُّ العبادة، وشَرَفُ السِّيادة، وفضيلةُ الحج، وبذلُ الأرواح له والمُهَج، ورَوعةُ العِتق وشَرَف الباني، وجَلال التاريخ وجمال المَعاني.
وأوضح أن أهَمَّ دُروسِ الحجِ وفوائِدِه، وأطيبَ ثمارِه وعوائدِه: تحقيقَ التوحيدِ وتجريدَه لله، إنه تجسيدٌ صِادقٌ حقّ، لكلمة الهدى والحقْ: (لا إله إلا الله) إن أعمالَ الحجِّ ووظائفَه لتُحيي في حَواشي النفس مِن بَواعثِ الانقياد لله تعالى ما رَكَد، وتُوقِظُ فيها من أسباب الذُلِّ والإذعان للخالق ما رَقَد، فاللَّهَجُ بالتلبية إعلانٌ بحقِّ الله في التوحيدِ، ونفيٌ للشريكِ له والنَّدِيد، وصَدْحٌ باستحقاقِه وحدهُ سبحانهُ الحمدَ على نِعَمِه، والشُّكرَ على قِسَمِه ، وإذا بَلَغَ الحاجُّ البيتَ الحرامَ ورأى الكعبةَ، ارتسم في ذهنه بانيها إبراهيمُ عليه السلام إمامُ الحُنفاء (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا) (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) وأمْرَ الله سبحانه باتباعِ مِلَّتِه في قوله: (فاتبعوا ملةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) ثم يبتدئُ طوافَه بالبيتِ بذكر اسمِ الله، طوافٌ بأمْرِ اللهِ أنه من شعائره، ومن الأنساك التي أوجبَها على عباده، وأنه لإقامة ذكرِه قولًا وعملا، وذاك أبلغُ دلائل التوحيد (إنما جُعل الطوافُ بالبيت، والسعيُ بين الصفا والمروة، ورميُ الجمار لإقامة ذكر الله) أخرجه الإمام أحمدُ وأبو داود والحاكمُ وصحَّحَ إسنادَه، من حديث عائشةَ رضي الله عنها.
وبين إمام و خطيب المسجد الحرام : وأولُ أعمالِ هذا اليوم أن يقصدَ الحاجُّ مِنى، فيرميَ جمرةَ العقبة بسَبعِ حَصَيات مُتعاقبات، يكبِّرُ مع كلِّ حصاة، ثم يذبح الهديَ إن كان مُتمتعًا أو قارنا، ثم يحلِقُ رأسَه أو يُقصِّره، وبهذا حلَّ التحلُّلَ الأول، ويُباح له ما كان ممنوعًا منه إلا النساء ، ثم ينزلُ مكةَ فيطوفُ طوافَ الإفاضة؛ لقول الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) ويسعى بعده سعيَ الحج، وإن تطيَّب للطواف بعد الرمي والحلق فحسن؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنتُ أطيِّبُ رسولَ الله لإحرامه قبل أن يُحرم، ولِحِلِّه قبل أن يطوفَ بالبيت) أخرجه البخاري ومسلم ولو قَدَّمَ بعضَ هذه الأعمالِ على بعضها فلا حرج عليه؛ فإن النبيَّ ما سُئلَ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: (افعل ولا حرج) ثم يرجعُ إلى منى فيبيتُ بها لياليَ أيامِ التشريق، ويرمي الجمراتِ الثلاث، كلُّ جمرة بسبعِ حَصَيات متعاقبات، يكبِّرُ مع كلِّ حصاة، فإذا فَرَغَ من رمي الجمرة الأولى والثانية استقبل القبلةَ ودعا بما أَحَب ولْيُكثِرِ الحاجُّ من ذكر الله تعالى؛ فإن الله حضَّ على ذلك فقال (واذكروا الله في أيام معدودات) والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
وأردف الدكتور بليلة يقول إنَّ يومَكم هذا يومٌ عظيم، وجُزء زَمَني كريم، إنه يومُ النحر، يوم الحج الأكبر إنه يومُ إعلانِ التوحيد، والبراءةِ من الشرك والتنديد (وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يومَ الحجِّ الأكبرِّ أن الله بريء من المشركين ورسولُه).
وأكد أن لهذا الدين الكريم نِظامًا وسَنَنا، وأركانًا وشرائعَ وسُننا، فأهمُّ أركانه بعد الشهادتين الصلواتُ الخمس، إنها الصِّلة بين المخلوق والخالق، وبها بين المؤمنِ والدعيِّ المعيارُ والفارق، ولها أحْمَدُ الأثر على الجوارح والروح، وهي مِن أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والدين، فأقيمُوها كما أمر بذلك ربُّكم، ومُروا بها مَن تحت أيديكم ولا يقتصرُ هذا الدينُ العظيمُ على الصِّلة بالخالق فحسب، بل يشملُ الصِّلةَ بالمخلوق، فالمسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وإن المؤمنَ ليدرك بُحسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم؛ كما أخبر بذلك نبيُّ الهدى.
وأبان فضيلته أن مما يخدش وجهَ الدينِ ويُلوِّثُ بهاءَه، ويكدِّرُ صَفوَه وصَفاءَه: البدعَ والمحدَثات، فكلُّ مَن تعبَّد لله بشيء لم يشرعه الله، أو لم يكن عليه هدْيُ النبي وخلفاؤه الراشدون فقد وقع في شَرك البدعة، وفي التنزيل الحكيم (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ومن بدائعِ الحديثِ النبوي، وجَوامعِ الكَلِم المصطفوي (مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردّ).
وأفاد فضيلة إمام و خطيب المسجد الحرام أن أعظمَ الأعمالِ عند اللهِ في هذا اليوم وأيامِ التشريقِ ذبحَ الأضاحي (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين*لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) وعلى المضحي أن يُخلص نيَّته في أضحيته (لن ينالَ الله لحومَها ولا دماؤُها ولكن يناله التقوى منكم) ولا تكون إلا من بهيمة الأنعام، يُضحي بها مَن كان مُقتدرا، ولا بد أن تكون سليمةً من العيوب التي تمنعُ الإجزاء، وكلما كانت الأضحيةُ أكملَ في صفاتِها فهي أفضل، ووقتُ الأضحية الذي لا تجوز في غيره يبدأ بعد صلاة العيد، وينتهي بغروب شمسِ يومِ الثالثَ عشرَ من ذي الحجة، آخرِ أيامِ التشريقِ التي نُهيَ عن صومها، ومن السنة أن يأكلَ المرءُ ثُلُثَ أضحيته، ويُهديَ ثُلثا، ويتصدق َبالثلث الباقي، تقبل الله قُربانَكم و قُرُباتِكم، وضاعف حسناتِكم، وغفر زلاتِكم.
التعليقات
اترك تعليقاً