تلاطمت أمواجٌ على شاطئي، شمالًا جنوبًا شرقًا وغربًا، بِت تائهة في عمق المحيط، خانتني جوارحي وقيدتني سلاسل أفكاري فعجزت عن الحركة، وتارة فتارة تلاشت ملامحي إلى العدم، حتى انتهى بي المطاف إلى قاع هذا المحيط.

شعورٌ يكاد لا يوصف، أن يتعرض الإنسان للخيانة، ومِنْ مَنْ؟ من نفسه! أن يفقد السيطرة، فيستسلم دون أدنى محاولة للنهوض. وتجري الأيام والشهور والسنين، وهو واقف يشاهد هذا السباق، ومع كل دقيقة تمضي يفقد معها جزءًا من نفسه لا يسترد، فما العمل؟

مع كل يوم نعيشه على هذه الأرض، تكثر المسؤوليات المطلوب منا تحملها، والواجبات المطلوب منا تنفيذها، والقوانين التي لابد وأن نسير عليها. أمورٌ كثيرة تداهمنا من كل جانب، فهل نستسلم ونترك أنفسنا للغرق في عمق المحيط؟ لا، بل نقف صامدين ونعمل ونجتهد، وإن سقطنا فنعاود النهوض والمسير مرة أخرى.

نواجه في حياتنا فترات ضغط كثيرة جدًا، فإن واجهنا فترة الضغط بالعقلية الصحيحة فلن نخرج من هذه الفترة إلا بإنجازات ستبقى خالدة في ذاكرتنا لأننا نلناها بجهد وسهر وعناء. الضغط إمّا يولد إنجازًا أو انفجارًا، فاختر لنفسك!

من أهم الأمور والعوامل التي إن طبقناها وعملنا عليها في فترات الضغط التي نمر فيها – أو في حياتنا بشكل عام – فسنكون مسيطرين على حياتنا بشكل كامل وحتى أننا سنولّد إنجازات لم نكن نتخيل أننا نستطيع الوصول إليها. وهذا العامل هو التخطيط المسبق. سواءً التخطيط للحياة الدراسية، أو المهنية، أو حتى الشخصية.

للتخطيط المسبق أهمية بالغة للصحة النفسية للفرد، فعندما يخطط الإنسان تخطيطًا مسبقًا ويكون على معرفة واطلاع على مسؤولياته وواجباته ومهامه اليومية في بداية اليوم، عندها يشعر بالراحة والاطمئنان، وعلى المدى البعيد إن استمر الإنسان بعادة التخطيط المسبق فقد يتخلص من القلق والتوتر والهلع الذي كان يصيبه سابقًا. العقل البشري لا يستطيع العمل وهو في حالة من الهلع والتشويش، لذلك التخطيط المسبق يجعل العقل في حالة من السكون والصفاء الذهني الذي يمكّن الإنسان من إعطاء كافة قدراته وإمكانياته فيخرج بنتائج رائعة ومُبهرة.

السؤال الأهم: كيف أخطط بشكل صحيح؟ بداية حّدد ساعة في آخر يوم من الأسبوع حتى تخطط فيها كل مهام هذا الأسبوع، ومن ثم اكتب كل المهام المطلوب منك إنجازها خلال الأسبوع وابدأ بتقسيمها على أيام الأسبوع مع تحديد الوقت المطلوب إنجازها فيه كل اليوم، وأخيرًا اكتب أهدافك لهذا الأسبوع حتى تتحقق من إنجازها في نهاية الأسبوع. وبهذا تكون خططت مسبقًا لأسبوع كامل. وللمواعيد والتواريخ المهمة، يفضل أن يكون لديك تقويم سنوي يحتوي على كل الأشهر بحيث تضع التواريخ المهمة في هذا التقويم.

ولكن كيف أضمن نجاح تخطيطي؟ حتى تضمن نجاح تخطيطك إليك بعض النصائح المهمة التي عليك اتباعها عند تخطيطك لأسبوع كامل. أولًا: كن واقعيًا عندما تكتب مهامك اليومية، فلا تكلف نفسك فوق طاقتك حتى تضمن أنك ستُنْهي كل مهامك اليومية. ثانيًا: لا بد وأن تجعل لنفسك في كل يوم ساعة على الأقل لتمارس فيها هواية تحبها تبعدك عن ضغوط الدراسة، كالقراءة أو الرياضة مثلًا، فاجعلها ضمن جدولك. وأخيرًا، إن لم تستطع إنهاء مهامك في أحد الأيام، إياك والاستسلام أو اليأس، بل العكس حاول جاهدًا أن تقسم مهام هذا اليوم على باقي أيام الأسبوع، لأننا مهما حاولنا بلوغ الكمال نضل بشر، نخطئ وننسى ونهمل ولكن نسأل الله القوة والثبات.

ما آثار التخطيط المسبق؟ له العديد من الآثار الإيجابية على الفرد. التخطيط المسبق يعطي الفرد شعور بالثقة بالنفس وأنه قادر على إنجاز المهام، وبهذا يشعر الإنسان أنه مُنجز في يومه. بالإضافة إلى ذلك، التخطيط المسبق يمكّن الإنسان من تقييم ذاته وإنتاجيته بشكل مستمر مما يسهّل على الفرد تطوير نقاط ضعفه. أيضًا، كل شخص يخطط مسبقًا لحياته، يتعرض لمستويات قليلة جدًا من القلق والتوتر مقارنة بحياتهم قبل التخطيط، لأن التخطيط يمكّن الفرد من السيطرة والتحكم بشكل كامل على حياته مما يجعله في سكون وطمأنينة وراحة نفسية. كما أنّ مع التخطيط تزيد إنتاجية الفرد وإنجازاته.

والتخطيط المسبق، عاملٌ مشترك لدى كل شخص ناجح ومنجز، والأهم من ذلك، كل شخص مطمئن نفسيًا. وفي الفترة الآنيّة يمر أغلب طلاب المدارس بفترة ضغط ما بين دراسة وحفظ واختبار. وفي خضمّ هذه الأمور قد يتجاهل الطالب صحته النفسية في سبيل تحصيل أعلى الدرجات، ومع ذلك يصدم بدرجات ومعدلات أقل بكثير مما عمل لأجله. لأنه أهمل جانبًا مهمًا في التحصيل الدراسي، ألا وهو: الصحة النفسية للطالب. ولنفسك عليك حق، فاعلم أنك لن تبلغ مُناك وتحقق طموحاتك وأنت مُجهَد ومتعَب نفسيًا. لذلك كطالبة رجائي منكم ألّا تهملوا أنفسكم، وألّا تهملوا صحتكم النفسية فهي من بعد الله عز وجل، منبع لقوتكم وإبداعكم، فحافظوا عليها لأنها أمانة الله معك.