قاعدة السياق في تفسير القرآن، من القواعد البديعة التي فطن لها المفسرون من القرن الثالث وربما قبله، وهي تعني ربط معنى الآية بما قبلها وبعدها .

وعلى الرغم من أهمية السياق إلا أن بعض الآيات قد تجيء على معنى أعم من سياقها .

ومن ذلك قوله تعالى في أول سورة النساء: “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” .

هذه الآية جاءت في معرض الكلام عن أموال اليتامى، وهذا ماجعل المتحدثين في التربية يغفلون عنها، ظنا منهم أنها خاصة باليتامى، والحقيقة أن المعنى المستفاد منها أعم من ذلك، قال الإمام الطبري (بعد ذكر الخلاف في معنى السفيه): “القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم” فلم يخصص سفيهًا دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهًا ماله، صبيًا صغيرًا كان أو رجلا كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، و”السفيه” الذي لا يجوز لوليه أن يؤتِّيه ماله، هو المستحقُّ الحجرَ بتضييعه مالَه وفسادِه وإفسادِه وسوء تدبيره ذلك .”

وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر، من نص الآية، ومن قواعد الدين العامة، ومع ذلك فالملاحظ أننا نخالفه كثيرا، خصوصا في هذا العصر، فترى صاحب المال يشقى في جمعه، وقد يرفع دعاوى قضائية لتحصيل بعض حقوقه المالية، ولا يصله هذا المال إلا بعد جهد جهيد (مادي ومعنوي ونفسي) ثم إذا حصله دفع به لبعض أهله أو موظفيه (ممن لم يتيقن أمانتهم وخبرتهم) فأفنوه في أمور غيرها أولى منها (إن لم تكن تعود بالضرر عليه وعليهم)

والغريب أن بعض الأولاد يفهمون قول: (أنت ومالك لأبيك) بصورة مقلوبة، فيرون أن والدهم وماله لهم، وبعضهم إذا نوقشوا في هذا زعموا -بكل صفاقة- أنهم يقصدون باعتبار ما ستؤول إليه هذه الأموال، وما يدريك أنك لن تموت قبل والديك!!

ثم لو كانت هذه الأموال لك أصلا، فإن على وليك حفظها لئلا تضيعها بتفريطك .

لذا أرى أن على المربين الانتباه لهذا الأمر، وعلى المستشارين في التربية تأكيده، حيث أن معظم الإسراف الذي يستنزف الأسر، ويضر باقتصاد البلد، ناتج لإهمال العمل بهذه الآية .

ثم لا ننسى المعنى الجميل الذي ختمت به الآية، للحث على التوسط والاقتصاد، فلا إسراف ولا تقتير عندما قال عز وجل:” وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ” فكما ينبغي عليك .

حفظ أموالك من تلاعب السفهاء بها، عليك أيضا ألا تٌقصر في حاجاتهم الأساسية، من طعام ولباس ونحوهما.

ثم “وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” إما بالوعد بالمكافأة إن صبروا وأحسنوا التصرف في الأموال -كما يرى بعض المفسرين- أو بالدعاء لهم -كما يرى آخرون- وكلاهما ختام جميل يحتاج إليه المربي، حتى لا يُظن أن دافعه البخل والتقتير، كما قد يتبادر لبعض الأولاد أو غيرهم ممن يلزم صاحب المال القيام على نفقته.