هذه الآية الكريمة فيها بشارة وخير عظيم للمؤمنين بأن الهم والغم والكرب له نهاية مهما طال الوقت ، وأن العسر يعقبه يسر ، وأن الفرج يأتي بعد الشدة ، والنور يأتي بعد الظلام ، والفرح يأتي بعد الحزن ، وأن الشدة تحمل في أحشائها الفجر المنتظر ، فأخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ،ثم أكد هذا الخبر ، بقوله: { إن مع العسر يسراً} .

قال الحسن رحمه الله:

كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين ، وعن قتادة رحمه الله ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الآية فقال: (لن يغلب عسر يسرين). رواه ابن جرير ، ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر ، فتعدّد ، ولهذا قال: (لن يغلب عسر يسرين) يعني قوله: { فإن مع العسر يسراً . إن مع العسر يسراً} فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدد.

ومما يروى عن الشافعي رحمه الله أنه قال:

صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا *** من راقب اللّه في الأمور نجا *** من صدّق اللّه لم ينله أذى *** ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال الشاعر:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند اللّه منها المخرج *** ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنها لا تفرج ، قال ابن مسعود رضي الله عنه: “لو كان العُسر في جُحرٍ، لدخل عليه اليسر حتى يُخرِجَه”.

وهذا وعد من الله تبارك وتعالى وهو لا يخلف الميعاد قال تعالى:” فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ” [الشرح:5، 6]  ، وقال عز وجل: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7] ، وقال جل وعلا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28] ، وقال سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

وقد اقتضت حكمة الله أن اليسرَ يأتي مع التقوى؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وقال سبحانه : ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
أيها البائسُ صَبْرًا *** إن بعدَ العُسرِ يُسْرًا.

قال ابن القيِّم رحمه الله:

“فالعسر محفوف بيسرين ، يسر قبله ، ويسر بعده ، فلن يغلب عسر يسرين”.

ونصيحتي لكل من تعسرت عليه الحياة ، واشتدت عليه الأمور ، وصعبت عليه الدنيا بأن يحسن الظن بالله تعالى ويصبر على قضاءه وقدره ويتفائل ألم يقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «تفاءلوا بالخير تجدوه» فافتح نوافذك أيها المهموم والمغموم واليائس والمريض ودع النور يدخل إلى قلبك ، وغرفتك المظلمة فزواياها الكئيبة مشتاقة لخيوط الأمل المنيرة ، فإن الشدة والعسر والكرب والهم والغم ابتلاء واختبار من الله عز وجل ، وأنه مهما سُدَّت في وجهك الأبواب، واشتدّت عليك المصائب، وكثرت عليك البلايا والهموم والديون والأمراض ؛ فإنَّ المفرج هو الله ، والمنقذ هو الرحمن الرحيم ، فارفع يديك له بالدعاء ، وبث له الشكوى ، فإنه يسمعك ويراك ، وهو سميع مجيب، ويحب الملحين والمكثرين في الدعاء ، وهو يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، واستعن بالله ولا تعجز ، فالأمل في الخالق كبير لتفريج الكروب ، وإزالة الهموم ، وتيسير الأمور ، ومهما اشتدت الأزمة ستنفرج ، ولن يغلب عسر يسرين.

‏‎اللهم لك الحمد في اليسر وفي العسر ، وفرج يارب الكرب عن كل مهموم ومهموم ومريض يا رب العالمين.