لا تكاد تخلو دولة قي العالم إلا وقد خضعت للاستعمار (الاحتلال) والمتمثل في حكم الدولة المحتلة (البشر , الشجر , الحجر) بشكل مباشر بالحديد والنار .

هذا النوع من الاستعمار يخضع عبر التاريخ إلى نوع من المد والجزر . والسبب في ذلك يعود إلى حالات القوة والضعف التي تمر بها الأمم (الحروب , الاقتصاد , المصالح ..) .

الاحتلال المباشر لم يعد يتناسب مع الوعي الوطني والنزعات القومية التي بدأت تنتشر في العالم .

في القرن العشرين بدأت القوى الاستعمارية تدرك مدى خطورة هذا النوع من الاستعمار وما يترتب عليه من خسائر مادية وبشرية تفوق العائد المرجو من هذا النوع من الاحتلال (العراق , أفغانستان) .

هناك نوع آخر من الاحتلال أقرته عصبة الأمم يسمى (الانتداب) . والمتمثل في تمكين دولة طبعا استعمارية مثل (بريطانيا , فرنسا) من وضع اليد على العديد من الدول من أجل مساعدتها على النهوض وتدريبها على الحكم .

وهذا النوع من الاحتلال أسوأ من الاحتلال المباشر لأنه قد تمت شرعنته دوليا من قبل الدول الكبرى (ضباع العالم) .

الانتداب كما هو الحال مع الاستعمار المباشر لم يتم التخلص منه إلا عن طريق المقاومة الشعبية .

انتهى عصر الاستعمار وبدأ عصر (الاستحمار) والمتمثل في تمكين البعض من أبناء البلاد المحتلة من حكم بلادهم بالحديد والنار (الوكلاء) , سواء كان ذلك عن طريق صندوق الانتخابات المزيف أو الانقلابات العسكرية .

في الوقت الذي تجد فيه المندوب السامي بنسخته الحديثة (السفارات الأجنبية) يحركون الحكومات من وراء الستار (الاحتلال الفاخر) .

طبعا هذا النوع من الاستعمار بدأ الآن يواجه الكثير من التحديات المصيرية بسبب ثورة المعلومات والاتصالات والوعي المتزايد للشعوب والتدخلات الغربية الفجة والتي وصلت إلى درجة (الوقاحة) . هناك العديد من الدول بدأت تتحرر من القبضة الحديدية لهذا النوع من الاستعمار ( تركيا , ايران , ماليزيا ..) , بل وجدنا دول الخليج العربي بدأت تتبع سياسة مستقلة كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية حيث تغلبت (المصالح العليا) لهذه الدول على مصالح الدول الغربية (الحلفاء غير الموثوق فيهم) .

ولكن الآن بدأنا نلاحظ أن هناك نوع جديد من الاستعمار إنه (الاستعمار الناعم) .

الذي بدأ يتحكم في العديد من دول العالم ومن قبل نفس الدول الكبرى (ضباع العالم) دون ان تشعر به الشعوب .

المنظمات الدولية مثل صندوق النكد الدولي أو البنك الدولي , منظمة العفو الدولية , الأمم المتحدة , اطباء بلا حدود , محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنظمات الدولية الفاشلة تحولت إلى أدوت لاغراق الدول بالديون أو ارهابها ونشر القيم المنحظة ( الشذوذ , الإجهاض , الادمان …) , وأيضا من أجل فرض السياسات الغربية في (التعليم , المأكل , الملبس , الثقافة ..) طبعا مع تراجع النظام المالي الدولي الذي يتحكم به الغرب (الدولار , التجارة العالمية ..) , بدأ العالم يشهد نوع جديد من الاستعمار الناعم من خلال إغراق الدول بالقروض التي بدأت تتجازر فوائدها الناتج القومي لهذه الدول (نيبال , فنزوبلا ..) .

الصين بدأت تتصدر هذا النوع من الاستعمار حيث بدأت بمنح القروض إلى العشرات من الدول التي أصبحت عاجزة عن السداد , وبدأت الصين مقابل ذلك في بناء القواعد العسكرية والطرق التجارية وبناء الموانىء في هذه الدول والسيطرة على مقدراتها وقراراتها السياسية , مقابل تأمين الحماية لها من القوى الغربية مثل (نيبال , فنزويلا ..) .

ولكن اعتقد بأن هذا النوع من الاستعمار لن يعمر طويلا (ثورة الجياع) .